تجربة (٢)

 

لأول مرةٍ في حياتي أحضر حفلًا دون أمي ، أدري أن كتابتي عن هذا شيءٌ طفوليٌ للغاية وأنني يفصلني عن لقب “خريجة” بضعة أشهر ولكنني هكذا . لم أعتد أن أذهب لأي مكان كان دونها ..

ولأصدقكم القول ، وضعتُ كل مسائل الزواج في كفة ومسألة “الزيارات الـ بلحالية” في كفةٍ أخرى

هذا يخيفني كثيرًا … في تجمعات النساء .. لا أعرف كيف يُرد على هذا ، أو يُشكر هذا ، لا أعرف التصرف الصحيح في بعض المواقف ، لا أعرف كيف تُرد الأسئلة الفضولية بطريقةٍ مهذبة ، لا أقرأ ما خلف الأحاديث ولا أعرف كيد النساء ، و لا أعرف كيف أبدو بمظهر امرأةٍ مستقلة أمام النساء .. وكلما تخيلتُ ذلك ، يزداد قلقي .

من يعرفني عن قرب يعرف أن مظهري واثقٌ للغاية .. نعم هذا صحيح ولكن الثقة في داخلي تُشبه المخزون الذي ينتهي بالعنوة عندما أذهبُ في زيارةٍ مـا لوحدي حتى لو مشيتُ برأس مرفوع ، وخطواتٍ ثابتة ونظرةٍ  تَشّعُ ثقةً وهدوءًا .. تلك ادعاءاتٌ فقط .. لأن قلبي حينها خائفٌ جدًا.. شكرًا يالله على القلبِ المستـور ..

ولأن الـ “زيارات البلحالية” لم يأت زمنها بعد ، أحاول نسيان الأمر ما استطعت ، عندما أتزوج سأواجه الأمر “غصبًا” وستنتهي هذه الرهبة .. بيد أنه قُدّر لي مواجهة الأمر قبل الزواج .. ولأول مرة .. كان هذا بالأمس في حفل زفاف صديقتي ..

كان استعدادي للزفاف في غاية السكون والطمأنية ، شيءٌ عجيب! حتى أنني أحدّث نفسي بين الحين والآخر : “ترى بتروحين بعد شوي لحالك، أنتِ حاسه!” … قلبي يتجاهل هذا الحديث .. كل شيءٍ هادئٌ طبيعي …

ذهبت بي أمي إلى هناك ، وما إن توقفت السيارة أمـام المنزل بدأ قلبي بالتراقص ، شيءٌ ما في داخلي يودُّ إمساك يدها ، صوتٌ ما في داخلي يردد “خلاص هونت” !

يعنيني كثيرًا ألا أبدو صغيرةً أمام والدتي خاصةً في موقف كهذا ، لذا أخفيتُ ارتجافي ، و ودعتها بثقة ..

سرتُ باتجاه الباب و كلما اقتربت منه المنزل ازداد نبض قلبي ، ما زاد الأمر إرباكًا أنه زفافٌ خاص ، هذا يعني أن المدعوين فيه قليلون ، لا يتجاوزون الـثلاثين امرأة .. فـ خطة “الضياع مع الزحمة” ليست متاحةً للأسف .

لا بأس مر كلُ شيءٍ على ما يُرام .. سوا من بعض المواقف التي لم أعرف كيف أواجهها

مثلًا ذهبنا في منتصف الحفل لغرفة العروس للسلام عليها ، عدتُ من هناك لأفاجأ بامتلاء المجلس .. ما الحكمُ هنـا ؟

حتى أن والدة العروس رأتني أقفُ خارجًا وسألتني عن سبب عدم جلوسي في الداخل .. لم تنتبه -وأعذرها-  أن المكان مزدحم ولم أرد أن أحرجها بهذا الجواب ، سوا أنتي فعلتْ ! هكذا بلا شعور ..

كذلك ، في بداية الحفل جلستُ وحدي في المجلس ، لم يأت أحدٌ أعرفه بعد ..  ما الحكم هنـا ؟ هل أستمر بتوزيع الابتسامات البلهاء على الجميع، هل -عُرفًا- يُسمح باستخدام الجوال في هكذا وقت ؟

أمـا لو تحدثنا عن الأسئلة المحرجة فتلقيتُ واحدًا ! ، سألتني والدة العروس عن سبب عدم حضور والدتي ، حسنًا هي في الأصل لم تُدعى ، وليس من الأدب أن أقول ذلك ! .. ما الجواب الحسنُ هنا ؟

الوداع كان أكبرُ تحديٍ تلك الليلة ، لأنني خرجتُ قبل موعد العشاء ، لم أكن أعرف كيف تُقال صيغة الاعتذار عن تناول العشاء ، ولا عن كيفية التبرير عن سبب عدم تناولي للعشاء ..

انتهى ذلك اليوم وأنـا موقنةٌ أن كل شيءٍ بالممارسةِ يسهل ، لأنها المرة الأولى كان كُل شيءٍ مربكًا بالنسبة لي ..

كنتُ رائعة .. حسنًا خفتُ كثيرًا ولكنني رائعة

لو خرج المارد السحريّ في تلك الليلة وسألني عما أريد لقلتُ له:  أمي. وحالًا!

اكتب تعليقًا