لا بأس بكثيرٍ من الفوضى 

أحد القناعات التي أحاول تبنيها وتكرارها على لساني كـ “توكيدة” هي كلمة : سَهالات . 

أن تحظى بحياة سهلة أظنه جُلّ نعيم الدنيا لأن السهولة تعني الحصول على أي شي في الحياة براحة مطلقة وبالٍ طويل ، سوا أن تكرار كلمة “سهالات” ليلًا ونهاراً لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة مقارنةً بممارسة هذه “السهالات” في الأفعال اليومية . 

وعلى ذكر السهالات أدرك أن هذه التجربة لن تكون “سهلة” في بدايةِ الأمر لسببين ، أولهما وسواس النظافة خاصتي والذي سيختفي جزئيًا بعد هذه التجربة ، الثاني حياتي المثالية والتي لم أدرك أنها مثالية حتى أخبرتني أختي الصغيرة بهذا ، على العكس تمامًا كنتُ أظن أنني في غاية الفوضوية ، حسنًا ليس “غاية” ولكنني فوضوية ولكن عندما أخبرتني أختي بعكس ذلك بدأتُ بتأمل جوانب حياتي المختلفة وياللأسف ، كان حكمها صائبًا.

أذكر مرةً أننا كنا نتناول الفطائر المغطاة بالحبة السوداء في غرفتي وسقطت منها دون قصد “حبة حبة سوداء” -أي حبة واحدة فقط من الحبة السوداء- . لن تصدق أنني أوقفتُ الحديث وأمرتها أن تقوم بتنظيف غرفتي من هذه الحبة السوداء التي شوهت أرضي البيضاء ، لن تصدق أننا تخاصمنا لهذا السبب -خصامًا أخويًا بالتأكيد- .. انتهى خصامنا باللحظة التي ألتقطت بها هذه الحبة ، ولكن المفاجأة أنه كان هناك الكثير من الحبات السوداء المتساقطة على الأرض لأن -الذي صنع هذه الفطائر- لم يلصق الحبوب جيدًا بها 

 

السفر ، وسيلةٌ رائعة للتدرب على الـ “سهالات” ، ذلك لأن السهالات في السفر خيارٌ لا بديلَ له ، وستجد نفسك -سواءً أحببتَ ذلك أم لم تحب- تُمارس مالم تمارسه في حياتك المثالية في بيتك . 

بشكلٍ خاصٍ جدًا وفي الأيامِ الأخيرة التي تسبقُ عودتي للرياض -حيث منزلي- تبدأ أمارات الاضطراب تظهر عليّ ، أنجحُ في كل اختبارات السهالات الخاصة بالسفر سوا هذه الجزئية الصعبة (جدًا جدًا) على قلبي وهي على استحياء جزئية “دوره المياه” ، لا أتحمل مطلقًا مشاركةَ هذا المكان مع أحد حتى مع إدراكي التام بنظافة الشخص الآخر ، ولتدرك أن الأمر ليس مزحةً بالنسبة لي فإنني أعتدتُ الحصول على مشاكل صحية تتعلق بهذه “الجزئية” تختفي تمامًا عندما أعود لـ”دوره المياه” خاصتي . 

أفضيتُ لأختي ذاتَ يوم عن أبرز مشكلةٍ زوجية تؤرقني في المستقبل . 

“ما أبي أتشارك الحمّام معه” 😐 ، اكتشتفُ بالصدفة أن أمي استمعت لحديثي وقالت ساخرة :

“على كذا ما صارت الحياة الزوجية تشارك” !! 
أما عن تجاربي في “السهالات” فهي كالتالي : جربت لأول مرة في حياتي إعادة استخدام “كوب” قهوة إلى “كوب” شاهي بدون تغسيله 

جربتُ النوم بدون استخدام فرشاة الأسنان، وأدرك تمامًا صعوبة الأمر حتى أنني عندما أستيقظ في منتصف نومي لأداء صلاة الفجر فإنني أهرع إلى تنظيف أسناني ، يكفيني “نصف قذارة” على أي حال

وعلى ذكر الأسنان فإنني فخورةٌ بنجاح تجربة النوم وفي فمي “علكة” ، لم تكن هذه التجربة في منزلي بالتأكيد بل كانت في رحلةٍ سياحية .   

مالم أنجح به حتى الآن هو إهمال منظر “السليبر” وهما متعاكستان ! تخيل أنني أستيقظ من سريري وأقوم بترتيبهما على نفس الاتجاه 

كذلك لم أنجح في تجاهل رغبتي الملحة في تغيير اتجاه رأس الصابون السائل لكي يتوازى مع وجه العلبة ، ليس من الضروري أن تفهم هذه الجزئية ، افهم منها أن هذا التفصيل الدقيق مؤرقٌ جدًا   

 
أدرك تمامًا أن المثاليةَ -عرفًا- تتساوى مع النجاح ، تخيل رجل أعمال كبير يملك منزلًا فوضويًا أو لديه عادات سيئة ، غالبًا لن تستلطف هذا الخيال ، ولأن نيتي دائمًا تصبو للنجاح في أعمالي التجارية ولأنني في بداية طريقي فإن المثالية القاتلة سترحب بي في كل خطوةً أخطوها ، لنقل أنني أحاولُ قطع الأمر من بدايته حتى لا يصل عمري إلى السبعين وأنا أعيش حياةً آليةً مملة  

 
بقي أن أقول ، ما فائدة السعي لحياةِ ماديةٍ سهلة ، بعقلٍ ذو أسلاكٍ شائكة ، كلُ شيءٍ يبدأ من الداخل .. حتى أن التغيير الجوهري هو الذي يكون هناك ..

أن أكون سهلة المعشر ، هادئة البال ، بسيطة المظهر ، متقبلة للجميع ، حسنة النوايا ، مسامحة ، وساذجة “أحيانًا” .. هذه السهولة الحقيقية التي سأظلُ أسعى لها

 

اكتب تعليقًا