يحدث أن آلمتني معدتي ولم أستطع الالتزام بحضور الاجتماع في وقته المحدد ، أصل بعد أربعين دقيقة .. أعتذر بشدة

رغم أن الاعتذار “مايوكل عيش” ولا يختلف شخصان على أن ما حصل هو قلة تهذيب مني ولكنني اعتدتُ أن أتلقى “من أصدقائي العرب” القبول والمسامحة لقاء أي تأخير يبدر مني ..

أشرح لهذا الصديق الكاميروني ما حصل ، أعتذر بخجلٍ حقيقي .. يبتسم ابتسامةً صفراء ، يسألني بجدية “وما هي خطتك للاعتذار” اوتش . لا أمتلك إجابة ..

– “مالذي تريده لقاء قبول اعتذاري” … يتأملني بنظراتٍ غريبة ، يرفض تقديم أي اقتراح ، ويطلب مني بالمقابل التفكير في خطة للاعتذار و تقديم “بروبوزال” له !

عجيب جدًا. في دول العالم الأول ما فعله حقٌ له ، في مدينتي الفوضوية تبدو ردة فعله مبالغٌ بها قليلًا..

أقترح عليه “وكاعتذارٍ مني” التكفل بدفع قيمة “الكوفي” ، يرفض بغضبٍ أفهم مغزاه ، لطالما كان يتحفظ على جعلي أدفع قيمة أي شيء عندما أكون معه .. يحب أن يبدو مسؤولًا عني منذ اللحظة التي نلتقي فيها حتى اللحظة التي نفترق ، هذا التصرف الرجولي يأسر قلبي ، ويذكرني دائمًا بالجانب العطوف من أبي عندما كان يدللني و يأخذ على عاتقه مسؤولية احتياجاتي اليومية ، ولكن كرجلٍ تربى في “يو اس” وتطبع بالطباع الغربية ، بدا لي تصرفه عجيبًا وغير منطقي ..

أصمتُ قليلًا ، أعده بأن أفكر بخطةٍ لرد الاعتذار .. يهدأ غضبه ، تدمع عينه .. يخبرني عن سبب رحلته المفاجأة لدياره -والتي عاد منها لتوه- ، وقد بدأ يومي سعيدًا مبتهجًا وكان آخر ما أتمناه في هذه الحياة أن أجالس شخصًا مكسورًا و أن أستمع لقصةٍ مؤلمة .

يحدث أن تخاصم شقيقه مع زوج أخته في المنزل خصامًا داميًا انتهى بموت شقيقه في صالة المنزل !!

أظن أن الاستماع لهذا القصة الجنونية كان خير اعتذارٍ لي ، فقد نقلني من شعوري المبتهج هذا الصباح لشعورٍ محبطٍ ومؤلم ، حتى أنني وبدون وعيٍ مني وجدتُ دموعي تسيل ..

من رحمة الله بي أن هذا الصديق لا يتحدث العربية ولم يحكي لي هذه الحكاية بها ، وإلا لأصبحت قصته أشدّ لسعةً على قلبي ..

لم يتوقف اعتذاري “المبطن” عند هذا الحد ، بل شاركته همه ، قلتُ باستحياءٍ وألم “I have story like that” ولربما لهذا السبب حصلتُ على “اكسترا” حزن اليوم ، لأنني وجدتُ قصته لمست شيئًا ما في حياتي ..

أظن أن أكثر فعلٍ شريفٍ يعمله المرء في حياته عندما يشارك الآخرين سرًا بهدف أن يخبرهم “مرحبا! نحن على نفس القارب”

اوتش ، في هذا العالم من القسوة ما يكفي لاختناق الجميع .. كنتُ ألوم مجتمعي “الصحراوي” بالأمس ، لأكتشف اليوم أن القسوة لا تنتمي لمكان .. ولا تنتمي لقبيلة .. هي فقط تنتمي للأرواح المشوهة ..

الآن بدأتُ أفهم ، لربما كان سر مزاجه المتعكر ومبالغته في غضبه لتأخيري هو ما حصل لعائلته ..

اها حسنًا ، ومن يعيد لي مزاجي يا صديقي !! قدمتُ الكثير هذا اليوم ، قدمتُ مشاعري “وهي أغلى بكثيرٍ من أي اعتذارٍ مادي” ولكنك لا تزال تنتظر مني “خطة اعتذار” ، تقول لي قبل أن تغادرني .. “أنتظر مقترحكِ!” ..

أتوجس كثيرًا عندما ألتقي بسيدٍ من برج العقرب ، هناك دائمًا ذيلٌ وسم ومكيدة ، وبالتأكيد هذا تطرفٌ طفولي مني لطالما أثر على حياتي ، حتى أنني -فيما مضى- رفضتُ المضي بشراكة مع أحدهم لأسبابٍ عديدة كان أحدها هو كون الطرف الآخر من برج العقرب !!

ولكنني الآن نورة الجديدة ! أنا أتغير وأتجدد وأحاول توسيع خياراتي ، والتوقف عن الحكم المبدئي على الآخرين .. لهذا رغم كونك سيدٌ عقرب ، أنا لا أفهمك جيدًا، ولا أخطط لفهم نيتك حولي ، ولكنني أدرك أن كل ما يحدث في هذه الحياة يحدث لسببٍ وحكمة ، لهذا أوكل للزمن مهمة إزاحة الضبابية حول علاقتنا ..

السلام والرحمة لروح عائلتك .

اكتب تعليقًا