أخي حبيبي .. لولا يقيني من استحالة وصولكَ هنا لظننتُ أنك قرأت ما كتبته عنك منذ يومين ..

هل تجيد قراءة أفكاري ومخاوفي ؟ أم أنا التي أجيد قرائتك ؟

بدوت ساكنًا اليوم .. مُسلمًّا .. طيبًا .. لطيفًا بلا قدرة .. مبتسمًا بيأس .. تطلب مني أن أشاركك الغداء .. تسألني “متى صارت رحلتنا” .. وكأنك بهذا السؤال تحذف تاريخ تذبذك ، نسيت موافقتك الأولى ثم رفضك الثاني ، ولكنني أعفو يا حبيبتي .. كيف لا أعفو وأنا أرى ابتسامتك وهدوئك وانكسارك ..

يحدث أن تخبرني عن زيارتك الأخيرة للطوارئ ، تخبرني عما حصل بالتفصيل ، تخبرني عندما سألتك الطبيبة عما إذا كنت دائم التفكير بأفكارٍ انتحارية .. يقف قلبي في منتصف الحديث ..

أصمتُ قليلًا .. أنتظر بقية الحكاية ، والتي لم تكن مستغربةً بالنسبة لي ولكنني تمنيتُ لوهلة جوابًا حالمًا .. بإتزان ، وسكون .. وبصوتٍ مليءٍ بالقبول سألته “ايش قلت لها؟” ..

“ايه ، دايم هالموضوع في بالي” ..

“كأني في دوامة من اللعنة الي ما تنتهي”

هل آلمني قلبي ؟ لا لم يحدث .. حتى أنني لم أحاول خلق ردة فعلٍ تحفيزية .. ولم أحاول التشمير عن ساعدي بشكلٍ حالمٍ لكي أعيده للحياة .. هذا الموضوع الشائك جدًا لا يحتمل الحلول الحالمة ، ولا مكان لتدخلي الصغير فيه .. قرارُ إنهاء الحياة هو قرارٌ كبيرٌ وخطير ولم يُبنى بمحض الصدفة ..

حتى أكبر لايف كوتش في هذا العالم لا يستطيع تغيير شخص لا يرغب بالتغيير من الداخل ..

فأيًا كان الشيء الذي سأقوله له .. أو سأفعله لأجله .. لا أظن أنه سيحرك فيه ساكنًا .. ولكن الفطرة الإنسانية التي بداخلي تجرني دائمًا للمحاولة ..

تحدثتُ معه عن الكلاب ، تبتهج عيناه حبيبي .. وقد ربّى في حياته في مصر كلبًا .. ألفه و صار رفيقًا لروحه ..

أصدق حقيقة أن كلب واحد قادر على إحداث بهجة في حياته .. وأجده موضوع يستحق المحاولة ..

يؤمن أهل البيت -على رأسهم أمي- بحرمة لمس الكلاب وإدخالهم البيوت .. حاول حبيبي في بداية عودته اقتناء كلبٍ جديد ، ولكن الرفض القاطع كان جوابهم ..

أعده بأنني سأحاول التفاوض مع أمي بهذا الشأن ، هذه مهمتي أنا .. و “الي عليك الحين تعرف لنا من وين راح نشتريه” .. أحاول جعل هذا الحدث حقيقًيا بتكليفي له بالبحث عن مكانٍ لاقتناء الكلاب .. لا يزال يائسًا فاقد الأمل من الحصول على موافقة أمي .. أمي ملكة العناد والآراء الصلبة وأنا أعرفها جيدًا ولكنني سأواجهها بحزم ووجه جاد … سأخيرها بين الرضوخ لرغبته البسيطة أو فقد حبيبها للأبد ..

مشوارٌ جديد من المسؤوليات بانتظاري ، لا يبدو الأمر مزحة .. ولن أشعر بارتياحٍ حتى أستنفذ جميع السبل لكي أنقذ أخي من هذه الهاوية .. سأبدأ بترتيب مواعيد طبية له ، ويجب أن أتهيأ لعدم التزامه وإهماله .. يجب أن أتفق مع نفسي قبل كل شيء أن يكون الصبر حاضرًا معي دائمًا ..

آه يا أخي،يا حبيبي.. لاأفهم هذه الحياة.. ولا أريد فهمها حتى..

اكتب تعليقًا