عن ماما و بابا .

من المبهج والمخيف والقدسي في نفس الوقت هو أن دماء أمي وأبي يسريان في عروقي ، وأنهما هما الأصل في خلقتي .. لذلك صلتي الروحية والجينية و ال”دميّة” لن تنفك أبدًا عنهما حتى لو فارق أحدنا الحياة ..

نسيتُ أبي ، أصبحتُ لا أتذكره إلا عندما تطمئننا أمي عليه كل أسبوع .. اليوم في فلمٍ ممل مع صديقتي ف في جدة .. تبكي البطلة لموت والدها البطل … لوهلة تذكرتُ أبي .. وكأنني كنتُ أقول .. “آه صح عندي أبو”

بصراحة .. لم يكن لوجوده فيما مضى أثرٌ إيجابيٌ ملموس على حياتي ، لهذا لم أشعر بفقده .. يؤلمني قلبي فقط عندما أراه مرةً كل ستة أشهرٍ أو يزيد ، يحزنني عندما يمرض أو يتعب .. وبصراحة هو حزنٌ لحظيٍ ينتهي بنهاية اليوم ..

في ذات الوقت ، أتمنى خالص السعادة له ، وخالص الصحة والراحة .. “أرحمه” ولكنني لا أرحب بعودة سلطته …

يؤلمني قلبي عندما أسمع قصص السيدات اللاتي يمتلكن علاقاتٍ ناجحة مع آبائهن … الأب هو الرجل الأول في حياة الأنثى … وهو النسخة الأولى ومنه ومن خلاله تنبني جميع اعتقادات ومبادئ الأنثى عن الرجل

امتلاك أب جيد يعني الأمان والطمأنينة … الأب الجيد هو السند وهو الملجأ من كل عواصف الحياة ..

الأب الجيد وبشكلٍ حرفي يشبه حزام الأمان ، و طوق النجاة

يحلّ علي الإلهام الآن … لماذا لا أعبر من خلال فني عن “الأبوة” الفقد دائمًا أبلغ من الحصول … فقدان “أبوة” الأب هو ألمٌ ملهمٌ وأشعر أن خلفه الكثير من الإبداع ..

رغم أن أمي “ماما” كذلك لم تكن أمًا مثالية ، ولكنني أحبها حبًا جمًا.. أحبها حتى الموت … لم ترعاني حق الرعاية ولم تقل لي يومًا “أحبك” ، ولم تهتم لجانبي النفسي يومًا ولكنني أعشقها …

ربما لأن أبي أورثني الكثير من الصفات السلبية ، بينما أمي لم تورثني شيئًا .. لا خيرًا ولا شرًا ..

من العجيب جدًا أن صفات أبي الرائعة لا تعد ولا تحصى

فمثلًا هو طموح جدًا. صبور جدًا. قائد ومخطط .منطقي. مؤمن بأهدافه .مثقف جدًا (جدًا) .متعلم.ذكي.مجتهد .أمين

أما (ماما) بصعوبةٍ أستذكر لها صفاتً إيجابية سوا صبرها وصدقها بالدرجة الأولى ..

رغم ذلك ، تفوز أمي بقلبي ..

تعلمتُ من أبي الكثير من الحسنات والصفات ، فأنا ابنة أبي! وأنا فخورةٌ بذلك … ولكن أخذي لهذه الصفات لم يجعل من علاقتي معه علاقةً جيدة … ولا حتى متوسطة !

أنا عنيدةٌ كأبي. طموحةٌ مثله .. قويةٌ مثله، جادةٌ ومجتهدة وصبورة ومثقفة ومترفعة ومتحفظة ولساني نظيف ومهذبة وقائدة … تمامًا كأبي …

يسعدني ذلك ، ومن يعرف أبي عن قرب يعرف أنه شخصٌ “مثار إعجاب” بعلمه الواسع و وقوته وجبروته وهيبته ..

ولكن كل هذه الصفات الإيجابية التي أخذتها منه بالدم لم تجعلني سعيدة .. ولم تدعم صحتي النفسية … بل على النقيض

الخوف الذي أورثني إياه دمر حياتي .. والنبذ الذي كان يمارسه بالأفعال تجاهي بصفتي أنثى جعلني وحتى اليوم أعاني من مشاكل في “الذكورة والأنوثة” ،

لم يعترف بي أبي .. كنتُ ألهثُ كثيرًا في الإنجازات لأحظى على إعجابه ، ولكنني لم أخلق أصلًا بالجنس الذي يهواه فكيف يحل إعجابه على أجزاء من حياتي إذا ما كنتُ أنا كلي لستُ جنسه المفضل

مشاكل في تقدير الذات والاستحقاق ، مشاعر الحرمان ، والنبذ ، الخوف ، انعدام الثقة ، البحث عن الاهتمام

كل هذه المشاكل و (أكثر!!) لم تكن في حياتي لولا أبي …..

بدأتُ مؤخرًا أشعر بحاجةٍ إلى شخص يشبه الأب … شكلًا وضمنًا .. رجلٌ كبيرٌ في السن ، يراني كابنته وأراه كأبي .. أريده حنونًا متفهمًا داعمًا يعطيني الشعور الذي لم أحصل عليه فيما مضى من أبي .. أشعر أنني سأكون سعيدةً جدًا بهذه العلاقة ، وسأزهر ….. سأزهر !

اكتب تعليقًا