أشياء صغيرة جداً

f1 (1)

أعاود الكتابة في الأوقات التي ينبغي أن أنام فيها ! يتوجب عليّ البحث عن العلاقة التي تجمع شهوة النوم بشهوة الكتابة !

في نهاية أحد أيامي الجامعية لم أكن سعيدة بما يكفي ، فتكالب المحاضرات والتكاليف رغم إهمالي لها أهمني ..

ينتظرني السائق عند البوابة وعلى عجالة أهم بارتداء عبائتي في صالة الانتظار المكتظة بالكثير من الأنفاس المزعجة ..

أحمل حقيبة وردية لا تنتمي لأي ماركة عالمية إنها تنتمي لي ، ولذوقي خاصتي! .

رغم أنها لم تتجاوز المئتين دولار مع الضرائب والشحن حتى ولكنني وقعتُ في غرامها كما لو أنني وهي لم نسمع بالحب حتى التقينا ببعضنا !

ورغم أنها جميلة وأشعر بأن كثيراً من الأعين تدور حولها ، لكن أحداً لم يبادرني بتلك الحقيقة حيال حقيبتي .. حتى أنا لم أكن لأظهر انبهاري من جميل أراه أمامي ، هكذا اعتدنا ، أن نكتم الألم والحزن ، والجمال أيضاً ! هذا في أحسن حالاتنا

ولكن هناك آخرون كثيرون جيدون في الثرثرة حول المصائب والصعاب ، أبطال في مملكة الأحزان ، عبيد في دُنيا السعادة

– شنطتك حلوة !

استوقفتي جملتها القصيرة الساحرة بالنسبة لي ! قالتها وأنٓا على وشك الخروج من البوابة ..

شكرتها بابتسامة متعجبة على عجالة وخرجت ..

رغم أنني أدرك أن حقيبتي جميلة حتى دون قولها ولكن لقولها عظيم الأثر !

إنه شيء يصعب وصفه !

لم أصدق أنني أكملت يومي آنذاك بمزاج يشبه التمدد على أحد شواطئ جزيرة هاواي !

ياللسحر !

لا أزال أتسائل لم جملة قصيرة لم يتعدى نطقها نصف ثانية كانت كفيلة بإضفاء سعادة ممتدة لبقية يومي !

وبالإضافة إلى جمال حقيبتي أجد تلك الفتاة كانت جميلة هي الأخرى ، رغم أنني لا أتذكر وجهها ولا هيئتها حتى! لقد كان حديثاً سريعاً بدرجة يصعب خلالها تأمل الوجوه فضلاً عن تمييزها

لقد كانت جميلة لأنها أعطتني درساً عميقاً للغاية ، ولا أظن أنها حينما أبدت إعجابها بحقيبتي قد شعرت أنها بطريقة غير مباشرة قد أعطتني ذلك النوع من الدروس .

وهاأنذا بدأت !

 أحياناً يكون باستطاعتي إبداء إعجابي بخمس أشياء لدى خمس فتيات مختلفات في يوم واحد .

وهذا أكبر عدد وصلتُ له حتى هذه اللحظة

إنه لشيء مثير ويدعو للمزيد من الجرأة ، خصوصاً أن المسألة تُعنى بمهارة (الحديث المفاجئ مع الغرباء) وذلك فنٌ لا يبدو سهلاً بدرجة كبيرة خصوصاً مع الأشخاص الذين يشوبهم قليل من حياء .

وقبل أيام قليلة رأيتُ صديقتي ترتدي قميصاً

إن كان للنعومة تعريف ملموس فحتماً أنه قميصها .

وكما ربيتُ الجميل الذي بداخلي على البوح أبديتُ لها إعجابي وهنأتها لحسن ذوقها

إنني لا أزال أؤمن بالمردودات الإلهية وهذا ما حصل .. لم نتجاوز ساعة واحدة حتى وجدتها تمسكُ بيدي ، وتحدثني كم هي معجبة بطلاء أظافري !

لم تتوقف المردودات الإلهية بهذا الموقف وحسب ، بل أذكر أنني عندما كنتُ في الثانوية كان لدينا اختبار تقييم على إلقاء خطبة شفهية ، كان الأمر صعباً ومربكاً جداً على الطالبات ، يؤسفني أن أخبركم أن منظر الارتباك لا يعد مستنكراً في مجتمعنا ، نحن لا نرضع أطفالنا الثقة بقدر ما نرضعهم أشياء أخرى ..

تقف الفتاة بكل توتـر تنطلق بإلقاء خطبتها ، رغم أنني ألمح أطرافها تهتز ، وصوتها متردد لكنني في نهاية خطبتها أصفق لها بصمت وأنـا أرمقها بابتسامة إعجاب ، لم أكترث إن كان شكلي مضحكاً وأنـا أصفق صفقات مكتومة وسط الصمت المهيب الذي يأتي بعد انتهاء الفتاة من إلقاء خطبتها ، ذلك لأنني استشعرتُ سعادتها وقتما رأتني أصفق لها بابتسامة ، هذا ما كنت أفعله مع كل طالبة في صفي ..

كنتُ أنـا الأخيرة ، وخمنوا !

ما إن انتهيتُ من إلقاء خطبتي ، وبدلاً من أن يسكنَ المكان .. لقد ضجت القاعة بالتصفيق لي !

اجتمع امتنان صديقاتي بتلك الصفــــقة .. لقد كُن يصفقن وهن يبتسمن بسعادة لأجلي .. لأجل تشجيعي

لقد كان أجمل صوت سمعته حتى هذه اللحظة ! لقد كدتُ أن أبكي وقتها من عظيم الفرح .

ضحكة السعادة التي أراهـا على وجوه بعض الغرباء ، وقتما أحدثهم عن أشيائهم الجميلة وكم أنا مفتونة بها ، إنها ضحكة تجبرني على السعادة أنـا أيضاً ! .. واللهِ عندما أرى سعادة أحدثتها كلمة صغيرة جداً

أجد السعادة تعود علي .. يبدو مزاجي سعيداً ، ويومي كذلك .. أبدو متخمة بالكثير من الأشياء الخلابة

كم هذا مثير لإطلاق تنهيدة امتنان

ذاك يعني أن المردودات الإلهية لم تكن يوماً حكراً على الأمور الكبيرة  ، إطلاقاً .

يالكرم الله .

أرجو أن نتوقف عن الاستهانة بأثر الكلمات الصغيرة التي من شأنها تغيير حياة بأكملها ..

على جانب صغير جداً يجدر بي أن أقول أن هنالك مرضى نفسيين ، يشعرون بالسوء عندمـا تنبهر بأحد ممتلكاتهم ، أولئك يجب أن تحكم إغلاق البـاب عنهم ، إياكِ أن يمسوا عالمكَ الصحي !

أولئك الذين يرون الجمال ويتحدثون به ، ينبغي أن يحضون بحياة جميلة

سنة هجرية جديدة ! إنها فرصة لإضافة هذه العادة الحسنة إلى قائمتك ..

ولكني أرجو منك ألا تتوقف تلك العادة المبهرة عند هذا الحد ، أريدك أن تقدر الأشياء الصغيرة أياً كانت.. إلقاء تحية رحبة على عامل نظافة

الاستماع لحكايات طفل صغير ، التصدق ببضع ريالات ، مفاجأة أحد أفراد أسرتك بشوكلاته صغيرة ، الابتسامة لمن تقع عينك بعينه  ، إماطة أذى صغير من على الطريق

وغيرها الكثير جداً .

الأمور التي يراهـا غيرك ( عادية ) أنتَ لا تراها كذلك …

أيقظ الجمال الذي اعتادت عينك أن تراه .

تحدث بالجمال ، كن جميلاً

وتأكد أن هنالك أشياء صغيرة جداً اتحدت وتشكلت لنا على هيئة جبل عظيم ..

”  لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى” ..

5 تعليقات

  1. أفاتار سحر سحر كتب:

    لازلت اجزم انك رائعة ومبدعة..
    و مساحة كبيرة من النقاء تحتل قلبك .

  2. أفاتار hano0o hano0o كتب:

    موضوعك جميل ونقي ❤️
    حقاً استشعرت تماماً ما كتبتي
    واجهت نفس المواقف مرات قليلة لكن أثرها عميق عميق جداً
    للأسف اعتدنا على كتم الجمال .. ولكن كتم القبيح لا 😦 وهو أحق أن يكتم !
    كل المسألة تدور بمحور الإعتياد
    عاداتنا أصبحت حياتنا من الصعب جداً ان تجدي شخص يعبر عن الجمال بكل بساطة ونقاء وقليلين جداً .. بخلاف طفولتنا التي كنا نعبر عن كل شيء بسعادة 🙂 لكن مع الإعتياد تغير الأمر من الطفولة للكبر
    اتمنى ان نمارس تلك الطقوس السعيدة البسيطة لتصبح حياتنا مستقبلاً وحياة أبنائنا
    شكراً جزيلاً لك موضوع جميل
    سأشاركه مع الكثير ❤️

    دمت سعيدة 🌸

  3. أفاتار نهى نهى كتب:

    جميييلة جدا جدا .. شكرا لأمل لأنها وضعت الرابط ♥♥

    وانا اتخذت هذا العهد منذ فترة قريييبة بأن أمتدح كل ما أراه جميلا .. و أحيانا أجد الكلمة الأكثر تأثيرا )محلوة اليوم( ♥♥

    يكفينا من هذا كله قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة)
    لأنها مجلبة للمودة والتراحم والمحبة والسعااادة …

    أقف احتراما لتدوينتك عزيزتي

  4. جميلٌ هو حرفك..
    استمتعتُ جدًّا في القراءة
    نُريد المزيد :))

  5. أفاتار لَمِتَّا (صديقتك للأبد لميس شعوان) لَمِتَّا (صديقتك للأبد لميس شعوان) كتب:

    ❤️ 💋 ❤️

اترك رداً على لَمِتَّا (صديقتك للأبد لميس شعوان) إلغاء الرد