الشجرة 

الشكر لها هيضّت مشاعري ثم غادرت .. 

كنتُ أتحدثُ معها – ولا أدري ما مناسبةُ هذا الحديث – عن فتاةٍ عذبة قابلتها في الجامعة ، تحدثتُ عنها مستحضرةً كل المشاعر التي أخبأها لتلك الفتاة ، كم يؤلمني قلبي هذه اللحظة ..
كيف لفتاةٍ مثلها أن تُثير إعجابي إلى هذه الدرجة ، تدركُ أختي أنني صعبةُ الإرضاء في الصداقة ، لا يعجبني أحد ولا أفتحُ قلبي لأحد .. لذلك أخذتُ أُشبع فضول أختي بكل ما أعرفه عن هذه الفتاة ، استمعت لي أختي بإنصاتٍ تامٍ ، ثم علقت ببضع كلماتٍ لا تتساوى مطلقًا مع ما أثارته في قلبي من حنين .. وبعدها غادرت الغرفة وتركتني أعود بخيالي لأجمل ذكرياتي في الجامعة .. 
الآنسة شجرة. هكذا اسمها ولا أدري هل هي آنسةٌ حتى الآن أم أنها كبرت وأثمرت ، لم تكن صديقتي ولا زميلتي حتى ولا شيءَ بينهما .. كانتَ فتاةً ألتقيها بالصدفة في ممرات الجامعة بدون مواعيدَ مسبقة ، نلقي التحية على بعضنا ، نحكي القليل ، ثم نودع بعضنا .. هكذا كنا ، لم أذكر أن لنا لقاءً يزيد عن ربع ساعة سوا مرتين ، مرةٌ التقينا في دورةٍ نظمتها الجامعة -بالصدفة- وتشاركنا الطاولة ذاتها ، ومرةً اتفقنا على قضاء يومٍ صباحيٍ كامل في أورقةِ الجامعة . حتى أنني لن أبالغ إن قلتُ أنها أفضل من التقيتْ في سنواتي الخمسة في الجامعة ، أعني أنها – من – أفضل من التقيت إذا ما أشركتُ معها (د.مرفت) حبيبتي الدكتورة الأم . هاتان هما خلاصة الجامعة -بالنسبة لقلبي- . 
الشجرة . شجرتي تُعطي مثل غيرها من الأشجار .. سوا أنها تعطيني إلهامًا وجنونًا لا أملكه ، تكمن فتنتها في عقلها الخلّاق ، رغم أن مظهرها لا يوحي بالإبداع والجنون ، وإذا ما رأيتها تسير بجانبك بالصدفة فستكمل المسير دون أن تكترث لأمرها ، لأنها طبيعيةٌ جدًا ولا شيء مميزَ حولها . 

لتعلم -أيها القارئ- أن الأفكار (الإبداعية) هي تخصصي الحالي ، وكنت فيما مضى أتخذ جانبًا متطرفًا تجاه كل شيءٍ تقليدي ، الإبداع مبدأ في حياتي ، والتعرف على المبدعين هو كالكنز الذي كنتُ أبحث عنه من الطفولة حتى الشباب . لتعلم أنني كنتُ اجتماعيةً جدًا في سنواتي ما قبل الأخيرة ، فرغم معرفتي للكثير من الأشخاص لم أجد ذلك الكنز الذي أتعطش لرؤيته . من المضحك أن معايير إعجابي بالشخص تعتمد على مدى جنونه وإبداعه ولكن هكذا أنـا ، وربما لهذا السبب قضيتُ الكثير من سنواتِ حياتي بدون صديقةٍ حقيقية .. وعندما ألتقيتُ بالشجرة ، كان الأمرُ مثيرًا جدًا ليس لأنها مبدعة فحسب بل لأنها كانت تفوقني إبداعًا ، كانت مجنونةً بطريقةٍ يصعب وصفها ، ياللجمال . ياللجمال . 
نشأتُ في عائلةٍ تهتم بالعلم والفكر كثيرًا . وهذا ما عمّق تفكيري ، وهي حسنةٌ وسيئةٌ في نفس الوقت .. تفكيري يسبق عمري لسنوات هذه الحسنة التي اكتسبتُ بفضلها سلبية “صعوبة الانسجام مع أي صديقة” . دائمًا ما أكون الأكثر ثقافةً والأعمق فكرًا في المجموعة وهذا الشيء الممل استمر معي حتى الصف الثالث ثانوي ، وعندما بدأتُ دراستي في السنة التحضيرية التقيتُ – وأخيرًا- بمن يفوقني فكرًا وعلمًا ، كانت الشجرة .. المفكرّة المبهرة التي لطالما كانت تطرح عليّ أسئلةً وجودية لا أملكُ إجابةً لها ، ياللفتنة ! وأخيرًا -بفضلها- شعرتُ أنني ناقصة وأنني أجهل الكثير ..

ألا أتشبثُ بالكنز عند امتلاكه ؟ الطبيعيون هكذا سيفعلون ، ولكن كبريائي انتصر كعادته ، لذا لم أوضح لها يومًا كم هي ثمينةٌ بالنسبة لي ، وكم أحبها ، أعني أحبها جدًا . 

زادت فتنتها عندما لاحظتُ أنها تقاسمني جزئية (الكبرياء) أقرأ في عينيها ما تقرأه هي بعيني ، كنا نحب بعضنا جدًا ولكننا لم نكن تعترف بذلك . كان غرورنا فوق كل شيء. تبًا

حضر (الغرور) فليحضر على أكمل وجه ! 

أن تكون متميزًا في كل شيء ، موهوبًا ، ماهرًا في كل حرفة ، سريعَ التعلم ، قارئ ومفكر وسريع التطور هذا يعني أن نسبةَ حصولك على رفيقٍ مُرضٍ لتطلعاتك هي ١٪‏ فقط وهؤلاء الـ (الواحد) هم غالبًا من نفس مستواك الشخصي أو أعلى منه بدرجة . 

الشجرة كانت من هؤلاء (الواحد) كان من البداهة أن أتمسك بها وأقترب منها أكثر وأجعلها رفيقتي ، و (ولّادة) الأفكار خاصتي ! ولكنني لم أفعل . هكذا ببساطة انتهت الجامعة فانتهينا . 
لم يكن من السهل نسيانها ولكنني نجحتُ في ذلك بالنهاية ، كان لزامًا عليّ أن أمضي قدمًا في هذه الحياة تاركةً ورائي ما مضى بحسنه وسوءه . 

لم أعد أذكرها كثيرًا ، أو أتحسر عليها كثيرًا .. لقد انتهينا ولكنني لا أزال أتسائل عن مناسبةِ الحديث عنها اليوم مع أختي .. لا أدري لقد نسيت

شكرًا لله على انقضاءِ أعذب تجربةٍ في حياتي ، شكرًا لقدر الله الذي جمعنا معًا في ذات العمر في ذات المكان .

لا أرى بأسًا من حديثي عنها هنا ، إن كنتُ أكتبُ في مدونتي أبرز محطاتِ حياتي فهي إحدى هذه المحطات التي تستحق أن توثق ، أذكر أنها تُحب مدونتي وتقرأها أحيانًا ، إن كنتِ لا تزالين تمارسين هذا الفعل المحبب إلى قلبي  فأهلًا بكِ مجددًا في مدونتي ، ربما هذه المرة الأولى -والأخيرة- التي ترين مكانكِ في قلبي ، تبختري! 

تعليق 1

  1. سبحان الله، هنالك شخصيات نلتقيها كأنما هي هدية من السماء .. ونقول أين هي من زمان..

    شعور ما يجذبنا تجاهها..أحيانا لا نستطيع تفسيره

    يا نورة لعلك تلتقين بها صدفة في محطات الحياة القادمة، ولعل شأنا يكون بينكما

    وإن لم يكن، فهنيئا لها أن تركت في قلبك حسن الأثر..

    ولا تنسي أن تدعي لها في ظهر الغيب

اترك رداً على سرمدية النقاء إلغاء الرد