إليها

أود أن أقول شيئًا لكِ . أنـا لطيفة!  

وما مرّ يومٌ في حياتي أضمرتُ به شرًا لكِ .. لم أؤذيكِ يومًا ولن أفعل ، حتى إذا ما بدأ شيطاني الغاضب بغيبتكِ داخل عقلي … أسكته بالقوة 

اليوم وقبل أن أتخلص من دفتر مذكراتٍ لي كتبته قبل ستِ سنوات من الآن عندما كنتُ في الصف الثالث ثانوي .. تأملتُ الدفتر مليًا … كم تأثرتُ كثيرًا من كلماتي وأفكاري البسيطة آنذاك … كنتُ دائمًا ما أكتبُ عنكِ وإليكِ .. أحدثكِ وكأنكِ ستقرأين ما خطه قلبي إليك .. كانت كلماتي دافئةً جدًا ، عذبةً جدًا، وبريئةٌ بالدرجة التي  لو ظهرتْ أمامي نورة -طالبةُ الثانوية- لاحتضنتها كثيرًا ولطبطبتُ على كتفها بحنية … 

أنـا أحبكِ وهذه هي المشكلة ! 

لو لم تكوني أولى اهتماماتي ، وحبي وبهجتي وكنزي .. لما كان الأمر صعبًا إلى هذه الدرجة … 

لو لم تكوني أنتِ لأفضيتُ لكِ عن غضبي … لعقدتُ حاجبيّ أمامكِ … لسمحتُ للعتاب المكبوتِ أن يتنفس … لأخبرتكِ كم فعلًا فعلتِ وأحزنني … لحدثتكِ عن صعوبةِ أن تفهمين تفكيري ومنطقي .. لقلتُ لكِ كل شيء … وانتهى . 

لشُفي قلبي ، وفرغَ غضبي وعتبي .. ولعدنا إلى ما كنا عليه بكل حُبٍ وسلام .. حتى أنني لن أحتاج إلى الحديثِ عنكِ هاهنا ، لأن المسألة التي بيننا ستكون حُلت فيما بيننا .. 

ليت الأمر بهذه البساطة ، ليتكِ تقرأين قلبي أو تحاولين .. ليتكِ تجربين فهمي .. ليتكِ تستوعبين حبي لكِ … ليتكِ تسامحيني .. وهذا ما ستفعلينه مثل كل مرة .. 
بالرغم من كل شيءٍ ، إن لم تُصدقي حقيقةَ أنني لم أنوي إيذائكِ يومًا فعزائي أن الله يعلم ما بقلبي … 

كان تجاهلكِ لوجودي قاتلًا .. وكأنكِ تريدين أن تخبرينني أنني وقطعة الأثاث واحد! تتحدثين مع كل الناس سواي .. بالعنوةِ كنتِ صامتةً معي .. 

وإذا ما التقتْ نظراتنا ببعضنا دونما قصد ، تحدثت عينينكِ حديثًا قاسيًا لا يُشبه جمالهما ، كأنهما يقولان لي : كم أنتُ مُخيبةٌ للآمال يا نورة .. 

ما الذنبُ الذي لأجله استحقيتُ كل هذا ؟ تصرينَ أنني أذنبت .. أُصـر بأنني بريئة .. 

تصرين بأنني سيئة ، وأُصـر بأنني ذاتُ قلبٍ طيبٍ للغاية . 

أشعر بالنعاس لذا يجب أن تتوقف هذه التدوينة ، حضر النوم وشمرت عن ساعدها الأحلام ..

لو كان بيدي اختيار حُلمٍ لهذه الليلة لاخترتُ أن أدخلكِ في قلبي لتقرأين عمرًا وروحًا ابدءا بكِ ، وانتهيا بكِ .. 

تجربتي في الميداني 

الشكر لمعدتي! التي تعاني من عُسر هضم بسبب عادةً غذائيةٍ خاطئةٍ مارستها قبل ثلاث ساعاتٍ من الآن . بفضلها لا أستطيع النوم ، بفضلها ها أنذا أكتب لكم من جديد ..

تجربتي في التدريب الميداني لا تلخصهُ كلماتٌ قليلة لقد كان خليطًا ضخمًا من المشاعر والأفكار والأشياء

منذ أن بدأتُ الدراسة في الجامعة كنتُ أترقب التدريب الميداني .. باستطاعتكم القول أنني انتظرتُ هذه الأيام لمدة أربع سنواتٍ ونصف … كنتُ دائمًا ما أتخيلني وأنـا أستاذة ، يقتلني فضولي آنذاك حول “شكلي ، هيئتي ، شخصيتي ، رفيقاتي” في الميداني .. وفي إطار حياتي فقيرة الإثارة أظنها كانت بالنسبة لحياتي الأكثرُ إثارةً على الإطلاق .. وجاء هذا اليوم المنتظر الذي نُحدد فيه الحي السكني المرغوب والذي على أساسه يتم توزيعنا على المدارس التابعة لهذه الأحياء ، احترتُ كثيرًا بين عدة أحياء قريبةٍ من بيتي ، لم أكن لأكترث بالمسألة الشائعة وهي اتفاق الصديقات على حيٍ واحد وهذا يعني : مدرسةٌ واحدة ..

انتهى بي الأمر إلى اختيار الحي الأكثر رقيًا بين البقية ، لم أكن أدرك وقتها أن ذلك يترتب عليه لقائي بزميلةٍ تُحب أن تُخبرنا كل يومٍ كم هي ثريةٌ للغاية .

على الجانب الآخر “ولأنه كان حيًا راقيًا” كان عدد الطالباتِ قليلًا جدًا مقارنةً بالمدارس الحكومية الأخرى ، تقول المديرة أن هذه المدرسة تُعدُ المدرسة النموذجية على مستوى منطقة الرياض ، مشرفتي الدكتورة والتي قضت ما يقارب عشر سنين وهي تتنقل بين مدارس الرياض تؤكد ما قالته لنا المديرة .. لذلك كلما أُرهقَ رأسي من أحاديث زميلتي “المهايطية” أعزّي نفسي أنه لولا هذا الحي الراقي لما حصلتُ على الكثير من المميزات ..

أحبني الطالباتُ حبًا جماً.. كنتُ لطيفةً للغاية ، أذكر أن إحداهن حرضّت على زميلتها: أبلا ، دانة تاكل علك! .. أوقفتُ الدرس ، اقتربتُ من دانة ، ركزتُ نظري عليها.. ارتبكت دانة وحاولت إخفاءه تحت لسانها وهي تقول متلعثمة : والله ما أكلت !

ابتسمتُ لها، قلتُ : عادي حبيبتي كولي ..

شهقةٌ جماعيةٌ سمعتها من طالباتي ، أظنني أول وآخر معلمةٍ في التاريخ ستسمحُ للطالبات بمضغ العلكة … مضغ العلكة هو أكثر موضوعٍ يمس كرامةَ المعلمة – في مجتمعي الصغير –

سمعتُ طالبةٌ في الخلف تقول : أبلا واللهِ أنتِ كيوت

طالباتي كن في الصف الأول المتوسط ، تختلطُ بهن براءةُ الطفولة ، وخُبثُ هذا العصر .. لذلك أراهُنّ لوهلةٍ أطفالاً صغارًا ولوهلةٍ أخرى كأنهن يكبرنني سنًا .. ولكن الشيء الذي أجزم عليه هو أنه كان من السهل تشكيلهن بأي شكلٍ كان .. ليتني أعرف ما الأثر الذي تركته في أرواحهن …

على نقيضِ زميلاتي كنتُ ذاتَ بالٍ واسعٍ أستمع لأحاديثهن المملة ، والخارجة عن المألوف ، أحببتهن كما هن ، تحدثن معي عن الجن ، الأغاني والمسلسلات والحب والغرام ، كنت أستجيب لهذه الأحاديث المحظورةٍ عند المعلمات عامةً ، كان هدفي أن أصل إلى قلوبهن ما استطعت وأزعم أنني حصلتُ على غايتي

بفضل الميداني اكتشفتُ أنني “قوية شخصية” لقد عشتُ وأنـا أظن بأنني كالعصفور الضعيف ، الميداني كشف لي أنني لا أزال عصفورًا ولكن ذو مخالبَ حادة .. ربما لو كنتُ حظيتُ بزميلاتٍ متناغماتٍ معي لما علمتُ عن امتلاكي لهذه الصفةَ الذهبية .. نعم لقد بدأتُ أولى أسابيعي في الميداني بشجارٍ حادٍ معهن ، كنتُ واحدة وكُن ثمانية .. كانت أيامًا مشحونةً بالغضب والحنقة ، كلما تذكرتُ ذلك اليوم في الفسحة ، كان هذا الوقت الذي نجتمع فيه كلنا في الغرفة المشتركة ، أغلقتُ الباب إيذانًا بحديثٍ ناريٍ كن هن الملامات فيه .. كلما تذكرتُ ذلك اليوم ، غضبي وكلماتي وقوتي أشعر أنني لستُ أنـا … لقد أيقنتُ منذ ذلك اليوم أن هناك الكثير من الكنوز المخبأة في داخلنا تظهر بفضل الظروف التي أيقظتها من سباتها وأجبرتها على الخروج ..
نقطة ضعفي في الميداني أنني لم أكن حازمةً مع الطالبات ونتيجةَ لذلك أُرهقتُ كثيرًا وأُرهق صوتي وجسدي وعقلي مع كل لحظةٍ حاولتُ فيها ضبطَ الفصل

في الميداني كان لزامًا عليّ أن أُتقن فنّ التعايش ، “لزامًا” لو نظرّنا المسألةَ لربما بدت لي مثيرةً للغاية وهي أن أضعكَ لمدة ست ساعاتٍ يوميًا في غرفةٍ مشتركة مع أشخاص يختلفون عنك كليًا وأقول لك : هيّا، تعايش معهم

المسألةُ على أرض الواقع كانت صعبةً جدًا ، وأعترف، لم أنجح في إتقان هذا الفن إلا بنسبةٍ بسيطةٍ جدًا .. لذلك بنيتُ مجازًا بيتَ سلحفاةٍ أدخل فيه غالبية الوقت ، سيكون كرمًا غير متوقعٍ من زميلاتي لو أحببني في الميداني ، كنتُ غامضةَ وصامتةَ .. لو تحدث سوء الظن لقال : يــالبرجها العاجي!

كانت هنالك زميلة ، في الغرفة المجاورة ، كانت طالبةً مثلنا أتت مع زميلاتها للتدريب من جامعةٍ مختلفة ..

أحببتها كثيرًا وأحبتني ، على الرغم من أننا لم نلتقي ببعضنا سوا مراتٍ قليلةٍ لا تكفي لبناء حبٍ عميق ، ولكن الأمر معها مختلفٌ إذا ما آمنا بقول الرسول الأعظم “الأرواح جنودٌ مجندة” … أخبرتها عندما ودعتها أنني أشعر بأني سألتقيها مرةً أخرى في مكانٍ آخر ..

المدرسة كانت بيئة محبطة إحباطًا لا تلخصه الكلمات ، المعلمات بحاجة إلى من يعلمهن ! .. والمديرة بحاجة إلى من يديرهـا .. جملةٌ كهذه أظنها تلخص مظاهر السلبية وعدم الأمانة و -التسليك- التي رأيتها هناك … وليكن بحسبانك أنني كنتُ في أفضل مدارس الرياض ، إن كانت البيئة هكذا هنا فما الذي بقي للمدارس الأخرى ، أبشركم نحن لا نتقدم ، نحن نتراجع وبجدارة ، وإذا ما استمريتُ في ممارسة مهنة التدريس بعد التخرج فاعلم أنني سأكون ملكة السلبية والأحباط ، ذلك لأن التغيير في هذه البيئة لا يحصل من شخص واحد … لا أقوى على وصف ما رأيت ، ربما سيكون المثل القائل ( النفخ في قربة مشقوقة ) هو المثل الصحيح الذي يُقال لكل شخصٍ يحاول التحسين في بيئة التعليم – لوحده – ..

بقي أن أشكر جامعتي جامعة الملك سعود ، لقد هيأتنا لهذه الأيام كثيرًا . فكان لزامًا على كل طالبةً من طالبات كلية التربية أن تدرس مقرراتٍ خاصةٍ بالتدريس والإدارة الصفية ..

أخذتُ عهدًا على نفسي أنه وبنهاية هذا الفصل الدراسي لا يُسمح لي بالندم على شيءٍ فعلته أو لم أفعله ذاك لأنني قدمتُ كل مالدي ، أعني أفضلَ ما لديّ ، كانت تجربتي الأولى كمعلمة لذا كان طبيعيًا جداً ألا أبدو كاملةً .. كنتُ أتعلم ، حتى أنني كثيرًا ما تمنيتُ أن يقف الزمن لوهلة لأعرف ما هو التصرف الصحيح في هذا الموقف ، كثيرًا ما كنتُ أجهل الرد المناسب والفعل المناسب والكلمةَ المناسبة .. رغمُ ذلك كنتُ رائعة رغم كل أخطائي أظنني بذلتُ جهدًا ووقتًا ومالًا وفكرًا لأجل أن أعيش هذه التجربة وفقًا لما خططتُ لهذا منذ سنينَ مضت ، كان حلمًا وتحقق ، وعشته بحلوه ومره وهاقد انتهى ..

أعظم هدية 

للتو تلقيتُ أعظم هديةً في حياتي .. بكيتُ كثيرًا

وبكت هي معي … “صاحبة الهدية” .. 

ليتني أخبرتها أنها هي الهديةُ بحد ذاتها .. 

أهدتني (قيمة إيجار مكتب) ، لم تحدد المدة ولكنني قطعًا سأكتفي بستة أشهر فقط لحين أن يقف مشروعي على قدميه .. 

صعدتُ إلى غرفتي كالطير المحلّق وفعلت الشيء ذاته الذي أفعله كلما حلّ أمرٌ سعيد في حياتي : لونتُ شفتي بأحمر شفاهٍ ذو لونٍ صاخب … تأملتُ وجهي في المرآة … لم يتبقى شيءٌ على تحقيقُ حلمي .. إنني سيدةُ أعمال إلا قليلًا ! يالها من معجزة … يالها من نعمةٍ تكبرني كثيرًا ..  

ممتنة للأبد ، شاكرةٌ للأبد ، سعيدةٌ للأبد … 

النهاية 

أتحدث معكم من آخر يومٍ في حياتي الجامعية 

الكثير من التبلد يغشاني … لا أصدق أن مسيرةً امتدت لخمس سنوات هاقد انتهت اليوم ..  

الحمد لله قبل كل شيء وبعد كل شيء … كنتُ مراهقةً مغرمةً بمناظرات العلامة الراحل أحمد ديدات أحببتُ هذا المجال فنويت الدخول في قسم اللغة الانجليزية من أجل الدعوة إلى الإسلام ومناظرة القساوسة ، اخترتُ قسم اللغة الفرنسية كخيارٍ ثانٍ لي وفعلًا قُبلتُ به ، درست الفرنسية في أكثر فصل دراسيٍ سيء في حياتي ، حتى أن استرجاعُ ذكريات ذلك الفصل يزعجني كثيرًا … لم أستمر هناك ، كرهتُ الدراسة فنويت تركها احتذاءً بستيف جوبز كنتُ آنذاك قد قرأتُ كتابًا ضخمًا يحكي قصته ، قلتُ في نفسي : لم لا أفعلها مثله ؟  عائلتي حاربت قراري كثيرًا .. ضعفتُ أمام إصرارهم .. احترتُ كثيرًا إلى أي قسمٍ أتجه لأن سحر المناظرات قد اختفى ولم يعد قسم اللغة الإنجليزية يستهويني .. السؤال الضائع يتكرر : إلى أين أتجه … نويتُ في النهاية أن أدرس في أسهل قسمٍ في جامعتي من باب إرضاء المجتمع ، أما أهدافي الخاصة كنتُ أعمل بها خارج الجامعة ، بهذا بدأتُ الدراسة في قسم الدراسات الإسلامية لم يكن سهلًا ولا صعبًا ولا بينهما حتى ، كل مادةٍ لها قياسها الخاص المختلف عن غيرها من المواد ، ولأنني كغيري أدمنتُ الـ “اوفات” .. كنتُ أحصل على واحدٍ منها في كل فصل .. والنتيجة بطبيعة الحال هي زيادة فصلٍ آخر في الجامعة .. بذلك أكون قد قضيتُ خمس سنوات في الجامعة بدلًا من أربع سنوات ، وعلى اعتبار أنني أدرس في كلية التربية كان هذا الفصل الأخير هو الفصل الذي كنتُ فيه “أبلا” ، طبقتُ في مدرسةٍ متوسطة تعلمتُ فيها مالم أتعلمه في سنواتي الجامعية كلها ، هذه باختصار مسيرةُ خمسٍ سنوات جامعية قضيتها في جامعة الملك سعود ، و هانذا في آخر يومٍ لي فيها أكتبُ لكم ، ولأن “الخمس” سنوات هي بمثانة عمر .. كان طبيعيًا جدًا إحساسي بالتبلد في نهايتها . 

لا أصدق أنني لستُ طالبةً بعد الآن ، كنتُ أتحدث لأختي عن خطتي في شراء أريكةٍ في غرفتي ، كان من ضمن الأسباب التي شرحتها لها : “وودي أذاكر عليها” 

مهلًا ، أيُ مذاكرة ؟ لا زال عقلي مُبرمجٌ على الدراسة ، كم هذا شعورٌ غريب .. 
تعلمتُ في الجامعة الكثير ، أحدها ألا أكون لطيفةً أكثرَ مما يجب ، ذلك لأني أعتدتُ أن ألقي السلام على كل زميلةً شاركتني مادةً أو يزيد ، كنتُ ألحظ أنني عندما أصادف بعضهم في ساحات الجامعة وألوّح بيديّ بكل ودٍ يحاولون تجاهلي وكأنهم لم يرونني لأنهم باختصار لا يودون السلام عليّ ليس لأسبابٍ شخصية بقدر ما هي أسبابٌ اجتماعية مفادها : لم يعد يجمعني بكِ شيء . وبالمناسبة أدبتني الحياة فأصبحتُ مثلهم في الكثير من الأشياء ، لم أعد مرهفةً رقيقةً أبتسم للمارة . أسلّم على زميلتي و أقدّر “العيش والملح” كالسابق .. هكذا الحياة في الجامعة إن لم أجاريها لتألمتُ كثيرًا 

صاحبتُ في فترةٍ من حياتي الجامعية صديقتين كفيفتين ، كانتا مدرسةً بالنسبة لي ، لم أثمّن بصري يوما بقدر ما ثمنّته عندما التقيتُ بهما . 
  

إن كان هنالكَ كلمةٌ تصفُني وأنـا في الجامعة فسأقول أنني كنتُ كنزًا لم يُكتشف . أنـا مليئة بالأشياء ، ولا أدري لم لم أخرج ولا شيئًا واحدًا هناك ، ربما لأنني لم أستمتع بدراستي أبدًا ، ربما لأنني لم أوفق بناديٍ لاصفي يستثير المواهب التي داخلي .. أيًا كانت الأسباب لقد خسرنا بعضنا ، خسرتني الجامعة و أعترفُ … أنني خسرتُ الكثير من الفرص في النشاطات اللاصفية

في النهاية كانت حياتي هناك أشبه بسجنٍ ملكي وهاقد انقضت سنواتي فيه ، انتهاء الجامعة بالنسبة لي يعني الحرية . و الكثير من الهواء العليل 

أود أن أكون

أود أن أكون ، لا ينقصني شيء ..

هؤلاء الذين حققوا أحلامهم إنهم لا يملكون عصًا سحرية … ولم تمطر السماء أحلامهم ..

الشجاعة هي كُل ما في القصة … أود أن أجرب الخروج عن منطقة الأمان ، أود أن أنطلق بجدية …

ربما تعثري في عددٍ من المشاريع التجارية هي ما زاد خـوفي من بدء مشروعٍ جديد .

بطبعي أنـا شجاعةٌ كثيرًا، وأهوى المغامرة والتحدي .. كان يجب أن يتسبب فشلي في زيادة إصراري على النجاح … لا أن يكون سببًا في انخفاض نسبة الشجاعةِ لديّ ..

ربما لأن مشروعي القادم جادٌ جدًا .. أعني (مكتب و دوام ) ليس كالمشاريع السابقة التي بدأتها في البيت وأنهيتها في البيت .. مشروعٌ كهذا يعني الكثير من المسؤولية ، الكثير !

إن وددتُ أن أكون طيرًا طليقًا فالتجارة هي عالمي وخياري الأفضل … لقاء أن أكون طيرًا .. ما الثمن الذي يجب دفعه يا تُرى؟

 “أنـا لا أخسرُ أبدًا أنـا أفوز أو أتعـلم”

كلماتٌ سحريةٌ كهذه. هي وقودي هذه الأيـام

ها.أنا.ذا 10/april

اشتريتُ هذا الخاتم ليلةَ العاشر من إبريل ، لبسته وأنـا أغني “والخاتم الإلماس مش مبروك ، مبروك عَ الخاتم لمس ايدك” … 

في مثل هذا اليوم أتيت . لم يرفّ قلبي لهذا اليوم

لا شيءَ مميز ، حسنًا حتى أنني لا أريد احتساب الرقم الذي وصل له عمري …

إن كان هنالك خيرٌ حدثَ في آخر سنةٍ لي فلا شيء يضاهي خسارتي لما يقارب العشرين كيلو من وزني

نعم إنني رشيقةٌ الآن ، أعيش حُلمي باستمتاع مُطلق ..

على المستوى التعليمي كانت سنةً دراسية كسابقتها .. أطيرُ فرحًا كلما أتذكر أن هذا آخر ميلادٍ لي وأنـا طالبةٌ جامعية . الأمر أشبه بباب سجينٍ أوشك على أن يفتح على مصراعيه محررًا بذلك أسر الضعفاء أمثالي .

 

شكرًا لأنني ولدتْ

شكرًا لأنني حمليةٌ عوجاء

 

كلما حلّ هذا اليوم من كل سنة أراه يسجد شكرًا لله عليّ .. كما لو أن يومًا كهذا كان بمثابة النعمة الأعظم في حياته.

شخصٌ كهذا، اللهم ارزقنيه .. 

تجربة (٢)

 

لأول مرةٍ في حياتي أحضر حفلًا دون أمي ، أدري أن كتابتي عن هذا شيءٌ طفوليٌ للغاية وأنني يفصلني عن لقب “خريجة” بضعة أشهر ولكنني هكذا . لم أعتد أن أذهب لأي مكان كان دونها ..

ولأصدقكم القول ، وضعتُ كل مسائل الزواج في كفة ومسألة “الزيارات الـ بلحالية” في كفةٍ أخرى

هذا يخيفني كثيرًا … في تجمعات النساء .. لا أعرف كيف يُرد على هذا ، أو يُشكر هذا ، لا أعرف التصرف الصحيح في بعض المواقف ، لا أعرف كيف تُرد الأسئلة الفضولية بطريقةٍ مهذبة ، لا أقرأ ما خلف الأحاديث ولا أعرف كيد النساء ، و لا أعرف كيف أبدو بمظهر امرأةٍ مستقلة أمام النساء .. وكلما تخيلتُ ذلك ، يزداد قلقي .

من يعرفني عن قرب يعرف أن مظهري واثقٌ للغاية .. نعم هذا صحيح ولكن الثقة في داخلي تُشبه المخزون الذي ينتهي بالعنوة عندما أذهبُ في زيارةٍ مـا لوحدي حتى لو مشيتُ برأس مرفوع ، وخطواتٍ ثابتة ونظرةٍ  تَشّعُ ثقةً وهدوءًا .. تلك ادعاءاتٌ فقط .. لأن قلبي حينها خائفٌ جدًا.. شكرًا يالله على القلبِ المستـور ..

ولأن الـ “زيارات البلحالية” لم يأت زمنها بعد ، أحاول نسيان الأمر ما استطعت ، عندما أتزوج سأواجه الأمر “غصبًا” وستنتهي هذه الرهبة .. بيد أنه قُدّر لي مواجهة الأمر قبل الزواج .. ولأول مرة .. كان هذا بالأمس في حفل زفاف صديقتي ..

كان استعدادي للزفاف في غاية السكون والطمأنية ، شيءٌ عجيب! حتى أنني أحدّث نفسي بين الحين والآخر : “ترى بتروحين بعد شوي لحالك، أنتِ حاسه!” … قلبي يتجاهل هذا الحديث .. كل شيءٍ هادئٌ طبيعي …

ذهبت بي أمي إلى هناك ، وما إن توقفت السيارة أمـام المنزل بدأ قلبي بالتراقص ، شيءٌ ما في داخلي يودُّ إمساك يدها ، صوتٌ ما في داخلي يردد “خلاص هونت” !

يعنيني كثيرًا ألا أبدو صغيرةً أمام والدتي خاصةً في موقف كهذا ، لذا أخفيتُ ارتجافي ، و ودعتها بثقة ..

سرتُ باتجاه الباب و كلما اقتربت منه المنزل ازداد نبض قلبي ، ما زاد الأمر إرباكًا أنه زفافٌ خاص ، هذا يعني أن المدعوين فيه قليلون ، لا يتجاوزون الـثلاثين امرأة .. فـ خطة “الضياع مع الزحمة” ليست متاحةً للأسف .

لا بأس مر كلُ شيءٍ على ما يُرام .. سوا من بعض المواقف التي لم أعرف كيف أواجهها

مثلًا ذهبنا في منتصف الحفل لغرفة العروس للسلام عليها ، عدتُ من هناك لأفاجأ بامتلاء المجلس .. ما الحكمُ هنـا ؟

حتى أن والدة العروس رأتني أقفُ خارجًا وسألتني عن سبب عدم جلوسي في الداخل .. لم تنتبه -وأعذرها-  أن المكان مزدحم ولم أرد أن أحرجها بهذا الجواب ، سوا أنتي فعلتْ ! هكذا بلا شعور ..

كذلك ، في بداية الحفل جلستُ وحدي في المجلس ، لم يأت أحدٌ أعرفه بعد ..  ما الحكم هنـا ؟ هل أستمر بتوزيع الابتسامات البلهاء على الجميع، هل -عُرفًا- يُسمح باستخدام الجوال في هكذا وقت ؟

أمـا لو تحدثنا عن الأسئلة المحرجة فتلقيتُ واحدًا ! ، سألتني والدة العروس عن سبب عدم حضور والدتي ، حسنًا هي في الأصل لم تُدعى ، وليس من الأدب أن أقول ذلك ! .. ما الجواب الحسنُ هنا ؟

الوداع كان أكبرُ تحديٍ تلك الليلة ، لأنني خرجتُ قبل موعد العشاء ، لم أكن أعرف كيف تُقال صيغة الاعتذار عن تناول العشاء ، ولا عن كيفية التبرير عن سبب عدم تناولي للعشاء ..

انتهى ذلك اليوم وأنـا موقنةٌ أن كل شيءٍ بالممارسةِ يسهل ، لأنها المرة الأولى كان كُل شيءٍ مربكًا بالنسبة لي ..

كنتُ رائعة .. حسنًا خفتُ كثيرًا ولكنني رائعة

لو خرج المارد السحريّ في تلك الليلة وسألني عما أريد لقلتُ له:  أمي. وحالًا!