لا بأس بكثيرٍ من الفوضى 

أحد القناعات التي أحاول تبنيها وتكرارها على لساني كـ “توكيدة” هي كلمة : سَهالات . 

أن تحظى بحياة سهلة أظنه جُلّ نعيم الدنيا لأن السهولة تعني الحصول على أي شي في الحياة براحة مطلقة وبالٍ طويل ، سوا أن تكرار كلمة “سهالات” ليلًا ونهاراً لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة مقارنةً بممارسة هذه “السهالات” في الأفعال اليومية . 

وعلى ذكر السهالات أدرك أن هذه التجربة لن تكون “سهلة” في بدايةِ الأمر لسببين ، أولهما وسواس النظافة خاصتي والذي سيختفي جزئيًا بعد هذه التجربة ، الثاني حياتي المثالية والتي لم أدرك أنها مثالية حتى أخبرتني أختي الصغيرة بهذا ، على العكس تمامًا كنتُ أظن أنني في غاية الفوضوية ، حسنًا ليس “غاية” ولكنني فوضوية ولكن عندما أخبرتني أختي بعكس ذلك بدأتُ بتأمل جوانب حياتي المختلفة وياللأسف ، كان حكمها صائبًا.

أذكر مرةً أننا كنا نتناول الفطائر المغطاة بالحبة السوداء في غرفتي وسقطت منها دون قصد “حبة حبة سوداء” -أي حبة واحدة فقط من الحبة السوداء- . لن تصدق أنني أوقفتُ الحديث وأمرتها أن تقوم بتنظيف غرفتي من هذه الحبة السوداء التي شوهت أرضي البيضاء ، لن تصدق أننا تخاصمنا لهذا السبب -خصامًا أخويًا بالتأكيد- .. انتهى خصامنا باللحظة التي ألتقطت بها هذه الحبة ، ولكن المفاجأة أنه كان هناك الكثير من الحبات السوداء المتساقطة على الأرض لأن -الذي صنع هذه الفطائر- لم يلصق الحبوب جيدًا بها 

 

السفر ، وسيلةٌ رائعة للتدرب على الـ “سهالات” ، ذلك لأن السهالات في السفر خيارٌ لا بديلَ له ، وستجد نفسك -سواءً أحببتَ ذلك أم لم تحب- تُمارس مالم تمارسه في حياتك المثالية في بيتك . 

بشكلٍ خاصٍ جدًا وفي الأيامِ الأخيرة التي تسبقُ عودتي للرياض -حيث منزلي- تبدأ أمارات الاضطراب تظهر عليّ ، أنجحُ في كل اختبارات السهالات الخاصة بالسفر سوا هذه الجزئية الصعبة (جدًا جدًا) على قلبي وهي على استحياء جزئية “دوره المياه” ، لا أتحمل مطلقًا مشاركةَ هذا المكان مع أحد حتى مع إدراكي التام بنظافة الشخص الآخر ، ولتدرك أن الأمر ليس مزحةً بالنسبة لي فإنني أعتدتُ الحصول على مشاكل صحية تتعلق بهذه “الجزئية” تختفي تمامًا عندما أعود لـ”دوره المياه” خاصتي . 

أفضيتُ لأختي ذاتَ يوم عن أبرز مشكلةٍ زوجية تؤرقني في المستقبل . 

“ما أبي أتشارك الحمّام معه” 😐 ، اكتشتفُ بالصدفة أن أمي استمعت لحديثي وقالت ساخرة :

“على كذا ما صارت الحياة الزوجية تشارك” !! 
أما عن تجاربي في “السهالات” فهي كالتالي : جربت لأول مرة في حياتي إعادة استخدام “كوب” قهوة إلى “كوب” شاهي بدون تغسيله 

جربتُ النوم بدون استخدام فرشاة الأسنان، وأدرك تمامًا صعوبة الأمر حتى أنني عندما أستيقظ في منتصف نومي لأداء صلاة الفجر فإنني أهرع إلى تنظيف أسناني ، يكفيني “نصف قذارة” على أي حال

وعلى ذكر الأسنان فإنني فخورةٌ بنجاح تجربة النوم وفي فمي “علكة” ، لم تكن هذه التجربة في منزلي بالتأكيد بل كانت في رحلةٍ سياحية .   

مالم أنجح به حتى الآن هو إهمال منظر “السليبر” وهما متعاكستان ! تخيل أنني أستيقظ من سريري وأقوم بترتيبهما على نفس الاتجاه 

كذلك لم أنجح في تجاهل رغبتي الملحة في تغيير اتجاه رأس الصابون السائل لكي يتوازى مع وجه العلبة ، ليس من الضروري أن تفهم هذه الجزئية ، افهم منها أن هذا التفصيل الدقيق مؤرقٌ جدًا   

 
أدرك تمامًا أن المثاليةَ -عرفًا- تتساوى مع النجاح ، تخيل رجل أعمال كبير يملك منزلًا فوضويًا أو لديه عادات سيئة ، غالبًا لن تستلطف هذا الخيال ، ولأن نيتي دائمًا تصبو للنجاح في أعمالي التجارية ولأنني في بداية طريقي فإن المثالية القاتلة سترحب بي في كل خطوةً أخطوها ، لنقل أنني أحاولُ قطع الأمر من بدايته حتى لا يصل عمري إلى السبعين وأنا أعيش حياةً آليةً مملة  

 
بقي أن أقول ، ما فائدة السعي لحياةِ ماديةٍ سهلة ، بعقلٍ ذو أسلاكٍ شائكة ، كلُ شيءٍ يبدأ من الداخل .. حتى أن التغيير الجوهري هو الذي يكون هناك ..

أن أكون سهلة المعشر ، هادئة البال ، بسيطة المظهر ، متقبلة للجميع ، حسنة النوايا ، مسامحة ، وساذجة “أحيانًا” .. هذه السهولة الحقيقية التي سأظلُ أسعى لها

 

لا بأس ، سأعترف أنني استمتعتُ باجتماعي مع صديقاتي ، استمتعتُ بما يكفي أن أرفض مغادرتهن قبل الساعة الثلاثة صباحًا .. 

كانت متعةً خالصةً لا يشوبها شيء ، لم أرى الساعة ولم أُمسك بهاتفي ، ولم أسرح بخيالي ولا مرة .. 

ما أجمل تلك الليلة ، ما أجمل حديث الأصدقاء .. ما أجمل انفتاحنا في الأحاديث ، ولأنك لن تتلقى في نهاية حديثك أي نقدٍ أو نصيحة أو نظراتٍ مُعاتبة أٰبيح الحديث بأي شيءٍ مع الأصدقاء .. فقرة الحرية هذه هي التي فتنتني تلك الليلة وجددت رغبتي الخاملة في الصداقة .  

لسوء الحظ لم تكن أمي في البيت ذلك اليوم ، وددتُ لو رأت -سناعتي- في تجهيز المنزل لاستقبال صديقاتي ، صنعتُ القهوة والشاي بنفسي .. هذبتُ كل شيءٍ بنفسي ، أعترف أن قهوتي كانت فاشلة وطعمها يشبه ماءًا برائحة القهوة إلا أن صديقاتي لم يرين بأسًا بها -في الحقيقة رأين بأسًا بها قرأتُ ذلك في وجوههن ولكنني رحبتُ بمدح قهوتي ولو كذبًا- 

لقائي مع صديقاتي كان اليوم الأجمل من بين مئة وعشرين يومًا من أيام الإجازة الصيفية .

الحمدلله .  

السحر بعينه

الحياة الطيبة تشبه السحر .. بل هي السحر بعينه ! 

هذه الأيام و-لسبب لا أعرفه- بدأت أجذب الكثير من الأشياء في حياتي اليومية .. 

مثلًا ، بينما كنتُ أتأمل علبة المكياج خاصتي تسائلتُ مع نفسي هل حان الوقت لشراء أرواجٍ جديدة ؟ – بحكم أن التي أملكها شارفت على الانتهاء-  .. وياللجمال ، لم أكمل أسبوعًا واحدًا إلا وقد أهدتني صديقتي ثلاث أرواجٍ جديدة .

ليس هذا فحسب .

قبل أسبوعٍ من الآن شعرتُ برغبةٍ في تناول -شاورما- شهيرة لدينا في الرياض لأتفاجأ باتصالٍ من أخي يخبرني أنه قادمٍ للعشاء ومعه الشاورما ذاتها التي أريد .. 

وعلى ذكر الطعام حصل في أحد الخميسات -وهو يوم اجتماعِ العائلة- أن اشتهيتُ حلاوة الجبن من -سعد الدين- وهي أجمل حلاوة جبن من الممكن تذوقها في الرياض ، تمنيتها وأنا أدرك أنني لن أحصل عليها لاتفاجأ في وقتٍ لاحق أن أختي حبيبتي أحضرت طبقين من -سعد الدين- أحدهما -حلاوة الجبن- 

أما الجذب (الأكثر سعادةً) هذه الأيام هو عندما قرر شاحن هاتفي التوقف عن العمل في وقتٍ لا أملك به أي شاحنٍ بديل ، لم أكمل ثلاثة أيام إلا وشكل الله الأحداث لصالحي وأُرسل إليّ شاحنٌ جديد -بدون طلبٍ مني- و -بدون علم المرسل حاجتي إليه- القصة تفاصيلها طويلة ولا يُناسب ذكرها هنا  

أما على مستوياتٍ غير مادية يصدف كثيرًا أن أتسائل في داخلي عن موضوعٍ ما لأجد أخي في نفس اليوم يحدثني عنه أو تسقط عيني على صورة أو تغريدة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تشرح لي بشكل تفصيلي عن الشيء الذي تسائلتُ عنه .

لذلك أخبركم أن هذه الحياة تشبه السحر …

لاحظ أنني أسميتها (سحرًا) رغم أنني لم أجذب سوا -فتافيت-  ، ماذا سأسمي حياتي عندما يكبر هذا الجذب ، أعني أن أجذب مشاريع/صفقات/علاقات وغيرها .. ستكون حياتي كالجنة التي لا أود الاستيقاظ منها .. 

الخطوة الأولى للعيش في هذه الجنة هي (فك شفرة) اللغز ، فالسبب الذي جعلني أجذب هذه الفتافيت هو ذاته سيجعلني أجذب كل شيء . 

وكالعادة عدتُ إلى أختي -مرشدتي- سألتها عن سرّ حياتي هذه الأيام .. أخبرتني أن أرجع بذاكرتي إلى الوراء ، سألتني عدة أسئلة و بحكم امتلاكي عقلًا ذُبابيًا ساميًا لم أتذكر أيّ إجابة .. 

على أي حال نُجدد حمدنا لله على ما أعطانا وسيعطينا . ختامٌ ناعسٌ للغاية. 

الشجرة 

الشكر لها هيضّت مشاعري ثم غادرت .. 

كنتُ أتحدثُ معها – ولا أدري ما مناسبةُ هذا الحديث – عن فتاةٍ عذبة قابلتها في الجامعة ، تحدثتُ عنها مستحضرةً كل المشاعر التي أخبأها لتلك الفتاة ، كم يؤلمني قلبي هذه اللحظة ..
كيف لفتاةٍ مثلها أن تُثير إعجابي إلى هذه الدرجة ، تدركُ أختي أنني صعبةُ الإرضاء في الصداقة ، لا يعجبني أحد ولا أفتحُ قلبي لأحد .. لذلك أخذتُ أُشبع فضول أختي بكل ما أعرفه عن هذه الفتاة ، استمعت لي أختي بإنصاتٍ تامٍ ، ثم علقت ببضع كلماتٍ لا تتساوى مطلقًا مع ما أثارته في قلبي من حنين .. وبعدها غادرت الغرفة وتركتني أعود بخيالي لأجمل ذكرياتي في الجامعة .. 
الآنسة شجرة. هكذا اسمها ولا أدري هل هي آنسةٌ حتى الآن أم أنها كبرت وأثمرت ، لم تكن صديقتي ولا زميلتي حتى ولا شيءَ بينهما .. كانتَ فتاةً ألتقيها بالصدفة في ممرات الجامعة بدون مواعيدَ مسبقة ، نلقي التحية على بعضنا ، نحكي القليل ، ثم نودع بعضنا .. هكذا كنا ، لم أذكر أن لنا لقاءً يزيد عن ربع ساعة سوا مرتين ، مرةٌ التقينا في دورةٍ نظمتها الجامعة -بالصدفة- وتشاركنا الطاولة ذاتها ، ومرةً اتفقنا على قضاء يومٍ صباحيٍ كامل في أورقةِ الجامعة . حتى أنني لن أبالغ إن قلتُ أنها أفضل من التقيتْ في سنواتي الخمسة في الجامعة ، أعني أنها – من – أفضل من التقيت إذا ما أشركتُ معها (د.مرفت) حبيبتي الدكتورة الأم . هاتان هما خلاصة الجامعة -بالنسبة لقلبي- . 
الشجرة . شجرتي تُعطي مثل غيرها من الأشجار .. سوا أنها تعطيني إلهامًا وجنونًا لا أملكه ، تكمن فتنتها في عقلها الخلّاق ، رغم أن مظهرها لا يوحي بالإبداع والجنون ، وإذا ما رأيتها تسير بجانبك بالصدفة فستكمل المسير دون أن تكترث لأمرها ، لأنها طبيعيةٌ جدًا ولا شيء مميزَ حولها . 

لتعلم -أيها القارئ- أن الأفكار (الإبداعية) هي تخصصي الحالي ، وكنت فيما مضى أتخذ جانبًا متطرفًا تجاه كل شيءٍ تقليدي ، الإبداع مبدأ في حياتي ، والتعرف على المبدعين هو كالكنز الذي كنتُ أبحث عنه من الطفولة حتى الشباب . لتعلم أنني كنتُ اجتماعيةً جدًا في سنواتي ما قبل الأخيرة ، فرغم معرفتي للكثير من الأشخاص لم أجد ذلك الكنز الذي أتعطش لرؤيته . من المضحك أن معايير إعجابي بالشخص تعتمد على مدى جنونه وإبداعه ولكن هكذا أنـا ، وربما لهذا السبب قضيتُ الكثير من سنواتِ حياتي بدون صديقةٍ حقيقية .. وعندما ألتقيتُ بالشجرة ، كان الأمرُ مثيرًا جدًا ليس لأنها مبدعة فحسب بل لأنها كانت تفوقني إبداعًا ، كانت مجنونةً بطريقةٍ يصعب وصفها ، ياللجمال . ياللجمال . 
نشأتُ في عائلةٍ تهتم بالعلم والفكر كثيرًا . وهذا ما عمّق تفكيري ، وهي حسنةٌ وسيئةٌ في نفس الوقت .. تفكيري يسبق عمري لسنوات هذه الحسنة التي اكتسبتُ بفضلها سلبية “صعوبة الانسجام مع أي صديقة” . دائمًا ما أكون الأكثر ثقافةً والأعمق فكرًا في المجموعة وهذا الشيء الممل استمر معي حتى الصف الثالث ثانوي ، وعندما بدأتُ دراستي في السنة التحضيرية التقيتُ – وأخيرًا- بمن يفوقني فكرًا وعلمًا ، كانت الشجرة .. المفكرّة المبهرة التي لطالما كانت تطرح عليّ أسئلةً وجودية لا أملكُ إجابةً لها ، ياللفتنة ! وأخيرًا -بفضلها- شعرتُ أنني ناقصة وأنني أجهل الكثير ..

ألا أتشبثُ بالكنز عند امتلاكه ؟ الطبيعيون هكذا سيفعلون ، ولكن كبريائي انتصر كعادته ، لذا لم أوضح لها يومًا كم هي ثمينةٌ بالنسبة لي ، وكم أحبها ، أعني أحبها جدًا . 

زادت فتنتها عندما لاحظتُ أنها تقاسمني جزئية (الكبرياء) أقرأ في عينيها ما تقرأه هي بعيني ، كنا نحب بعضنا جدًا ولكننا لم نكن تعترف بذلك . كان غرورنا فوق كل شيء. تبًا

حضر (الغرور) فليحضر على أكمل وجه ! 

أن تكون متميزًا في كل شيء ، موهوبًا ، ماهرًا في كل حرفة ، سريعَ التعلم ، قارئ ومفكر وسريع التطور هذا يعني أن نسبةَ حصولك على رفيقٍ مُرضٍ لتطلعاتك هي ١٪‏ فقط وهؤلاء الـ (الواحد) هم غالبًا من نفس مستواك الشخصي أو أعلى منه بدرجة . 

الشجرة كانت من هؤلاء (الواحد) كان من البداهة أن أتمسك بها وأقترب منها أكثر وأجعلها رفيقتي ، و (ولّادة) الأفكار خاصتي ! ولكنني لم أفعل . هكذا ببساطة انتهت الجامعة فانتهينا . 
لم يكن من السهل نسيانها ولكنني نجحتُ في ذلك بالنهاية ، كان لزامًا عليّ أن أمضي قدمًا في هذه الحياة تاركةً ورائي ما مضى بحسنه وسوءه . 

لم أعد أذكرها كثيرًا ، أو أتحسر عليها كثيرًا .. لقد انتهينا ولكنني لا أزال أتسائل عن مناسبةِ الحديث عنها اليوم مع أختي .. لا أدري لقد نسيت

شكرًا لله على انقضاءِ أعذب تجربةٍ في حياتي ، شكرًا لقدر الله الذي جمعنا معًا في ذات العمر في ذات المكان .

لا أرى بأسًا من حديثي عنها هنا ، إن كنتُ أكتبُ في مدونتي أبرز محطاتِ حياتي فهي إحدى هذه المحطات التي تستحق أن توثق ، أذكر أنها تُحب مدونتي وتقرأها أحيانًا ، إن كنتِ لا تزالين تمارسين هذا الفعل المحبب إلى قلبي  فأهلًا بكِ مجددًا في مدونتي ، ربما هذه المرة الأولى -والأخيرة- التي ترين مكانكِ في قلبي ، تبختري! 

التجربة

في نفس الوقت الذي كنت أفكر فيه بمشروعٍ جديد يلبي نداء الفضول لاستكشاف العالم ، استمعتُ إلى حديثها الذي يتلخص في قولها : جرب جرب جرب !
 

كنتُ ، ولا أزال . أتمنى تخصيص سنةٍ كاملة أمارس فيها كل أنواع المهن حول العالم  -حتى السيء منها-

أمنيةٌ كهذه قد يفسرها البعض مغامرة عابرة -لا أكثر ولا أقل- ولكنها بالنسبة لي كالطريق الذي يسهل عليّ معرفةُ نفسي من خلاله . الأمر يشبه التعطش إلى التجربة المتعددة .

يكفي أن تجربةً كهذه ستتولى الإجابة على السؤال الأعظم : أين هو مكاني الصحيح .

وطبعًا. -هذا حالي دائمًا- أقوم بتحويل مالم أستطع الحصول عليه إلى شيءٍ مشاعٍ للجميع من باب : فاقد الشيء يعطيه .

يتلخص ذلك في مشروع خططته -برأسي- عبارة عن برنامج لمدة سنة يجرّب من خلاله المشترك عددًا كبيرًا جدًا من المهن وذلك بالتنسيق مع أصحاب هذه المهن .

شيءٌ كهذا سيلغي حاجة التحويل من قسم إلى آخر في الجامعة ، ولن يضطر أحدهم إلى الاستقالة من عمله بعد سنوات بحجة أنه وجد نفسه في العمل الحر أكثر من الوظيفة التقليدية .

لماذا ؟ لأن مشروعي سيختصر عليك الطريق نحو معرفة مكانك الصحيح في هذه الحياة .

عودةً إليّ ، يواسيني أنني تأخرتُ في معرفة مكاني الصحيح – إن كنتُ عرفته حقًا- لأنني بذلك مارستُ الكثير من الأشياء قبل أن أستقرّ على المحطةِ الأخيرة

إن مررتَ على بقية التدوينات ستجد أنني ذكرتُ في أحدها أنني مارستُ الكتابة -أعني بدأتُ بكتابة روايتي الخاصة- . مارستُ الرسم الرقميّ . التصميم بأنواعه . ثم اتجهتُ إلى صناعة الأفلام المتحركة . ثم التجارة الالكترونية وامتلكتُ حينها ثلاثة متاجر الكترونية ، وحينما امتلكتْ أختي مركزها التدريبي كنتُ منسقةً للبرامج ثم مديرةً لها ، وبطريقةٍ ما وجدتُ أنني ألقي محاضرات متخصصة في تطوير الذات للناشئة ، والفضلُ لأختي فقد جربتُ العديد من المهام هناك فقد عملتُ سكرتيرةً أحيانًا وعملتُ في خدمة العملاء والمحاسبة ، وبعدها تطفلتُ على العقـار وأصبحتُ وسيطةً عقاريةً لمدةٍ لم تتجاوز الشهرين . حاولتُ الدخول في عالم الإذاعة والتعليق الصوتي لأنني بطريقةٍ ما شديدةُ الإعجاب بصوتي و بقدراتي الإلقاءية ولكن هذا لم ينجح ، ثم انتقلتُ إلى إدارة المشاريع . ثم التسويق الالكتروني . ثم الإعلانات التجارية وتطويرها وهو ما انتهيتُ عليه حتى هذه اللحظة . 

 على أي حال ، أنوي تكثيف التجارب في حياتي – ما استطعت- رغم صعوبة تجربةِ شيءٍ جديد في مجتمعٍ تقليدي متشكك يعادي معاكسة الطريق

بشكلٍ شخصي أؤمنُ بأن المغامرات المثيرة أمثال (القفز المظلي ، السير على الحبل ، القفز إلى النهر ، وغيرها) لها أثرٌ إيجابي على صعيد التطور المادي والروحي للإنسان ، وأعترفُ أنني -أتقطع- شوقًا وحماسًا لتجربةِ هذه المغامرات وأمتلكُ قائمةً خاصةً بها تحت عنوان : ما سأجربه يومًا .

من الأشياء التي لا أزال أمارسها دائمًا في المطاعم هي اختيار أطباق جديدة من قائمة الطعام ، الجميع يخالفني 

لديهم الحق في ذلك -ربما- ! .. لأنني لا أدري لمَ يقعُ اختياري دائمًا على أطباقٍ -غير قابلة للأكل- . والنتيجة بتفسيرهم التقليديّ : خساير ع الفاضي!! 

أردّ عليهم دائمًا : يكفي جربت شيء جديد

يحدث الأمر نفسه في -السوبر ماركت- ، ما أمتع تجربةَ شراءِ الأغذية الغريبة ، المستوردة – وذاتِ النكهات الجديدة –

يهمني دائماً تجربة مشاعرَ جديدة  متى ما تسنى لي ذلك ، هذا ما حصل تمامًا عندما قمتُ بوضع أوراق صغيرة مرفق بكل ورقة عشر ريالات ، قمتُ بوضعها في أماكن مختلفة في الجامعة كتبتُ على الورقة التالي : سعيدة الحظ التي قادها فضولها إلى قراءة هذه الورقة المهملة ، هذا المال لكِ ، تمتّعي به. رجاءًا !

شعرتُ بالإثارة عندما قلبتُ الدور وكأنني أنا من أتلقى هذه الرسالة الغريبة .

ولكن شعورًا بالثراء الفاحش أصابني تلك الأيام رغم أنني لم أستخدم سوا مئة ريال -مجموع العشرات- ولكن المشاعر لا تُبرر . هكذا أحسست. وهكذا أحببت إحساسي بما يكفي أن أرغب بإعادة هذه التجربة الطريفة . 

-فن دمج الطعام- هو آخر مشروعٍ -غير ربحي- قمتُ بتنفيذه على الانستجرام ، كتبتُ في صفحة التعريف الخاصة به : كنتُ عاقلةً فلم يُجدي! 

أتعمد ابتكارَ أكلاتٍ جديدة أنشرها على الانستجرام مع تعليقي على مذاقها ، فمثلًا جربتُ (معكرونة بقطع البطيخ و صوص التوت) (أرز أبيض بصلصة الشوكولا الداكنة) (حمص مطحون مع زبدة الفول السوداني والكاتشب) (إلخ…) -بإمكانكَ طلب اسم الحساب مني عبر ايميلي الشخصي الموجود في صفحة -راسلني- .  

هذا المشروع عزّزّ في داخلي حِسّ المغامرة ، وهدفي منه أن أكسّر -البلوكة- التي في داخلي والتي لا تريد تجربةَ أي نكهةٍ لم تألفها .. وما إن تُكسر فأنـا -غالبًا- سأوقفُ هذا المشروع .

لو تحدثت روحي إليّ بعد كل تجربةٍ جديدة في حياتي لقالت : ما أضيق الدائرة التي كنتُ تعيشينها يا (نورة) . 

نعم أعترف ! أنـا لا أزال أجهل الكثير. لا أزال في قفصٍ بالكادِ يكفيني .. أمارسُ الكثير من الحمية الغذائية هذه الأيام لعل جسدي يتمكنُ من التسلل عبر أعمدة القفص ، ولكنني أتساءل هل ستحملني أجنحتي آنذاك وتحلقُ بي أم أنها ستستنكر الحرية التي لم تعتدها ..  

ملاحظة إلى (نورة التي في المستقبل) : 

*هذه التدوينة وجدتها في المسودات خاصتي ، كتبتها قبل خمسةِ أشهرٌ من الآن عندما كنتُ في الجامعة وأضفتُ عليها القليل*

ملاحظة : ما أكتبه دراميٌ بحت يمثل اللحظة الحالية فقط. 

في منتصف هذه الليلة أحسستُ بالجوع فصنعتُ طعام الأزمات : اندومي ، وبدون تنسيق أحضر لي أخي طعامًا من إحدى المطاعم .. قررتُ حينها أن أدعو أختي “ذات الثمانيةَ عشر ربيعًا” لتناول الطعام معي في غرفتي وأن أفاجأها بهذه المائدة التي لم تطرأ على بالها فهي من عُشّاق الأندومي كما أنها تحب المطاعم كثيرًا .. تصورتُ سعادتها بهذه المفاجأة وسعدتُ لهذا الخيال … وبشكلٍ دقيق فإن أختي لا تفضّل الاندومي مع خلطة “الزبادي والليمون” لذلك قسمتُ الوجبة نصفين نصفٌ كما تحبه ونصفٌ كما أحبه .. شوكتين ، صحنين …  ثم صعدتُ إلى غرفتي ووضبتُ المائدة .. أخفضتُ حرارة المكيف ثلاث درجات لأنها ببساطة “تحب البرد” . 

: “عازمتك عزيمة عشر دقايق وخليك عندي ” . 

: “ليه؟ مالي خلق” 

: “أنتظرك الساعة ٠٢:١١ دقيقة” 

أغلقتُ هاتفي وأنـا أتسائل هل ستحضر ؟ .. 

أعرف أختي فضوليةٌ بحتة ولأنني لم أجب على سؤال الـ “ليه” الخاص بها فإنها ستحترق من الفضول .. هذا ما جعلني أتيقن من حضورها .. إضافةً إلى أنها لم يحصل أن ردت دعوةً مني لغرفتي .. وبشكلٍ أكثرَ أمانةً فهي أحيانًا ترفض الحضور لغرفتي ولكنني أُصرّ عليها بشتى الطرق لحين أن تدخل لغرفتي وتسهر معي ونستمتع معًا تلك الليلة ، ولكن هذه الليلة شيءٌ ما في داخلي رفضَ أن “يُصّر” أو يوضح أكثر أن طعامًا شهيًا بانتظارها وأنني أعددتُ المائدةَ لشخصين . تركتها تختارُ أن تحضر أو لا تحضر بدون تدخلٍ مني . 

حلّت الساعة ٠٢:١١ سيطرق بابي الآن ، ستتفاجأ بهذه المائدة اللذيذة … وستخبرني أنها أحبت هذه “العزيمة” .. ولكن أحدًا لم يطرق بابي .. انتظرتُ قليلًا ، أشعرُ أنها تتابع الوقت معي وعندما لم تجد رسالةً جديدةً مني تخبرها أن وقت العزيمة قد جاء فإن فضولها سيطغى على كل شيءٍ وستأتي رغمًا عنها … 

كان خطأً مني عندما ظننتُ أن فضولها سيجلبها إليّ لأن ذلك لم يحدث .. تأكدتُ من ذلك في تمام الساعة الثانية والنصف . لن تأتي ، وسآكلُ هذه المائدة لوحدي .. شعرتُ بالخيبة .. أرى خيبةَ انتظار شخصٍ ما في الأفلام والروايات فقط ، هذه أولُ مرةٍ في حياتي أجربُ هذا الشعور المحبط جدًا .. ولأنني عاشقةٌ للتجربة جزءٌ صغيرٌ “للغاية” مني كان سعيدًا بتجربةِ شعورٍ جديد. ولكن خيبةُ الأمل كانت الشعور الأكبر … 

الاستعداد للقاء هذا الشخص هو ما يصنع الخيبة ، فلقد آلمني منظر شوكتها وصحنها و”الاندومي” المفضل لديها . آلمني شعوري بالبرد لأجلها .. 

“عادي حبيبتي عادي، لا تقولين إنك منتي منبسطة بهالأكل اللذيذ عشانها ما جت!” تحدثني نفسي . 

لا أريد أن آكل طعامًا شهيًا بشعورٍ متدني، لذا حاولتُ استرجاعَ “الشعور الصحيح تجاه الفقد” وهو أحد دروس الوعي التي أدرسها حاليًا .. والذي خلاصته أن تكون سعيدًا لوحدك سعيدًا مع الآخرين ، وأن سعادتك بلقاء الآخرين سعادةٌ “مضافة” لسعادتك وليست أصلها .. وعلى جانبٍ آخر ولأخفف من حدّة خيبتي صنعتُ لها أعذاراً لعدم حضورها كما أنه ولو لم يوجد لديها عذرٌ فهذا اختيارها الخاص والذي هو حقٌ لها وليست مجبرةً على قبول عزيمتي.. 

حسنًا لقد ارتفعت مشاعري قليلًا بعد هذه الأحاديث ، أعدتُ درجة المكيف إلى ما كانت عليه و بدأتُ آكل الطعام ، سآكلُ حصتي وحصتها هكذا بلا سبب ! .. كما أنني ولأزيد متعتي أكلتُ بما أُسميه #استطعام_مطلق وهي طريقةٌ ممتعةٌ للأكل ابتكرتها منذ سنتين تتلخص في الاستلذاذ المطلق للطعام بدون اعتبارٍ لشيءٍ آخر ، أبرز شروطها الاكتفاء باستخدام اليد وعدم استخدام المناديل لمسح ما يعلق حول الشفاه بل على العكس يزيد استمتاعك كلما زادت الفوضى حول شفتيك ! وغيرها من الشروط .. أختي لا تُحب هذه الطريقة بل على النقيض “تتقزز” من منظري عندما أمارسها .. غالبًا لا أمارسها وحدي بل أشاركها مع الآخرين ولكوني دائمًا ما أتناول الطعام معها لوحدنا فأنـا بطبيعة الحال ألتزم ب “اتكيت الطعام” الروتيني .. وها أنٓا ذا الآن لوحدي في مائدةٍ شهية ، إنه أفضلُ وقتٍ لممارسة #الاستطعام_المطلق ، صدقًا .

كنتُ آكل بأقصى استطعامٍ أملكه وكأنني أنتقمُ منها لعدم حضورها ، طفلٌ ما في داخلي أحس بلذة الانتقام مع كل قبضة “اندومي” أضعها في راحة يدي كالأرز ثم أتناولها بلذةٍ مطلقة . 

حسنًا لا بأس ، هي أختي وأنـا أحبها .. ما حدثَ كان كالحلم العابرِ الذي سيظلُ حلمًا .. ولن يؤثرَ بعلاقتي بها في أرضِ الواقع ، ولكن تصرفي هذه الليلة لا يُشبه أخوتنا .. بدءًا من عدم إصراري على حضورها ، انتهاءًا بأنني لن أنهرها غدًا لعدم حضورها .. الأخوةٌ شيءٌ أكثرُ “ميانة” ! لا أعلم ما جرى لي هذه الليلة .. 

أكتبُ إليكم هنا وأنـا في منتهى الجوع ، لا يسعني إتمامُ عملٍ ما سوا النوم على سريري واللعبُ بهاتفي حتى يأتي فرجُ الله المتمثل على هيئة فطائر لبنة بالعسل . يمي يمي ! يرهقني هذا الخيال ومعدتي خاويةٌ على عروشها .. 

حتى أنني نويتُ الدخول هنا وكتابة تدوينةٍ ما عن موضوعٍ ما. ولكن يبدو أن ترتيب الأفكار وصياغتها مُرهقٌ أيضًا في هذه الحالة .

خسرتُ كيلوين بعد رمضان ، وبالتأكيد أنني لم أعمل حميةٍ في أيـام العيد ولكن الحُمى أطاحت بي ليومين على التوالي ..

لطالما كنتُ فخورةً بنفسي حيال الأمراض لأن جسدي نادرًا -جدًا- ما يتعرض للأمراض المعتادة كالرشحِ و الحمى والصداعِ وغيرها .. وذلك يعود للحالة النفسية العالية التي كنتُ أحظى بها إذا ما اتفقتَ معي أن كل مرضٍ جسديّ خلفه حالةٌ نفسيةٌ سيئة .. 

هذه القناعة جعلتني أبحثُ عن سببٍ للحمى التي أصابتني في أوجِ فرحةِ العيد … امممم حسنًا هناك سببٌ نفسيٌ للحمى -ربما- ولكنني لا أودُ الحديث عنه . 

مللتُ الكتابة والفطائر لم تأتي بعد وأنـا على وشكِ الاختفاء .. ليكن بعلمك – حتى تدرك أنني لا أُبالغ – أن الساعةَ الآن اقتربت من الثالثةِ فجرًا وكنت صائمةً ولم أتناول شيئًا بعد الإفطار الأول المتمثل في تمرٍ وقهوةٍ وحلوى .. 

أودعكم، وشكرًا للجوع الذي أحضرني هنا اليوم.  



في كل مرةٍ تخبرني أمي عن “خُطبة” جديدةٍ لي يبدأ قلبي بالخفقان ، خوفًا لا حماسًا … 

الحمد لله أنها هذه المرة لم تحدثني وجهًا لوجه بل هاتفتني وأخبرتني بالخاطب الجديد حتى لا تلمح تعابير الخوف على وجهي .. أغلقتُ السماعةَ منها وأنٓا أود البكاء .. كان قلبي ينبض بشدّة ، كنت خائفة جدًا . 

أخاف أن تُسلب طفولتي ، أشعر أنني صغيرةٌ حتى الآن ، نعم حتى بعد تخرجي من الجامعة .. واعترافٌ كهذا سوف لن أقوله لأمي أبدًا ، أشعر أن روحي أصغر بكثيرٍ من عمري ، أنـا خريجة ولكنني لا أمتلك شعورًا كبيرًا حيال ذلك .. 

حتى أنني لاحظتُ اليوم أن خوفي تضاعف عما سبق على اعتبار أنها أول خطبةٍ لي بعد التخرج .. كان شعورًا عكسيًا، ظننتُ أنني سأمتلكُ مشاعر أكثر قوةً عندما أتخرج ، ولكن هذا لم يحدث . 

أنـا لا أدير بيتًا ولا أُسمى -امرأةً- ولا أطبخ ولا أستطيع مهاتفة الكبار ، وأخاف أن أذهب لاجتماع نسائي وحدي ، وكثيرًا ما أنسى هاتفي في السوق وأذكره بعد زمن ، لا أجيد مكر النساء ، ولا أقرأ ما بين السطور ، ويسمع الجيران صراخنا عندما أتخاصم مع أختي حول قطعةٍ من الحلوى ، وبعد كل هذا تُريدني أن أتـزوج ؟ أنـا خائفةٌ وأود أن أحضن أمي للأبد .. 

رغم ذلك أيما كان الذي يريدني زوجةً له ، أحترمه كثيرًا لأنه أحسن الاختيار ، مهما تعددت مساوءي أدرك أصلي ، ومن أكون     

لا يهم ، سأقول لا مجددًا ، هذه نيتي إلا إذا لعبت أختي برأسي كعادتها ، لأختي سحرٌ في الإقناع لا يُعقل .. أدخل عليها برأيٍ لا يتزعزع ، وأخرج منها برأيٍ يخالف الذي جئتُ به ..

إليه: 

إنْ قدّر الله أن أكون نصفك، مهما قلتُ لا ، سأكون نصفك . 

لستِ مخطئةً ولا أنـا .. اثنتانا ضحيتان لثالثٍ .. 

بإمكانكِ لومي كما تشائين ، بإمكانكِ شتمي بكل العبارات التي تحفظينها ، بإمكانك فعلُ أي شيءٍ إلا أن تقولي لي : ستريكِ الأيام يومًا جزاء ما تصنعين. كلمةٌ كهذه تقتلني . تدمرني .. تشعرني أنني كالحشرةِ الحقيرة التي لم تفعل خيرًا قط .. كأنني ولدتُ للأذية وسأبقى في هذه الدنيا بلا فضل ولا نفع … 

رجاءً أخبريني بكلُ شيءٍ جارحٍ … سوا تلك الكلمة … لا تقوليها لي مجددًا . 

اه ، وشيءٌ آخر ، لا تبكين أمامي .. لا أريد أن أرى دموعكِ تنسكبُ بسببي ، وكأنها إعلانٌ للعالم عن مدى قسوتي تجاهكِ . ابكي وحيدةً في الظلام ما شئتي ، لا تنكسري أمامي ، أنـا لستُ وحشًا رغم أنني أمام ضعفكِ أبدو كذلك … 

يؤسفني أنكِ بلغتي غاية الهشاشة ، ضعيفةٌ تجاه كل شيء .. مكسورةٌ من كل شيء .. حتى إذا ما تحدث معها وحشٌ مثلي تهرع إلى البكاء دون حيلة .. 
توقفي عن لعبِ دور الفراشة ، هذا لا يحتمل .. 

سواليف 

يستهويني أن أكتب في وقت النعاس .. 

مني إلي .. كلامٌ أكتبه بنصف عينٍ مستيقظة ، لأقرأه غدًا وكأنني أقرأه للمرة الأولى … وكأنه كلامٌ ليس مني … ! بفضل النعاس نكتب وبفضل النعاس ننسى ما كتبتا ثم نقرأه من جديد وكأننا نتعرفٌ على جزءٍ منا لم نعيه .. 

الكٰتّابُ أمثالي يفهمون جيدًا ما أقصده . وبالمناسبة “الكُتّاب” كلمةٌ فضفاضةٌ واسعةٌ المعاني ولا يجبُ أن يُفهم إطلاق هذا المعنى لنفسي من باب المدح . لا أدري لماذا أبرر ما كتبته ، على أي حال لن أبخل بمدح نفسي في مدونتي فلا تقلقوا ولكنني أحبّ الصدق مع نفسي قبلَ كُل شيء .. كنتُ أطمح أن أكون كاتبةً بامتياز – فيما مضى – حتى أن امتلاك كتبٍ مذيّلةٍ باسمي كان حلمي الأعظم ، ولكنني لم أعد كذلك ، لم يعد يعنيني أن أكتب أو لا أكتب .. كانت الكتابة بالنسبة لي واجبًا يجب آداؤه ، ولكنني تخلصتُ من هذا التكليف وأصبح الأمر أريحيًا .. متى ما اشتقتُ لمدونتي أتيتُ لها وكتبت .. أحبُ أن أراني في مراحل حياتي المختلفة .. وهذا ما يحصل تماماً هنا .. وقد كتبتُ فيما مضى أن الكثير من الكتابات هنا لم تعد تمثلني الآن ، تمامًا مثل هذه التدوينة التي سأنكر انتمائي لها يومًا ما من شدّة اختلافها عني مستقبًلا . 

أحبُ ندرّة من يقرأني هنا ، هذا يعني الكثير من الراحة … الكثير من الصدق .. 

كشخصيةٍ تُحبُ التجديد دائمًا ، ودائمًا ما تُطلق عليها والدتها “راعيّة طفّة” .. كل البرامج والمواقع “ودفاتر المذاكرات”  أدمنتها لزمنٍ ثم تخليتُ عنها .. “الطفّة” تمتدّ للكثير من تفاصيل حياتي .. لذلك استمراري في هذه المدونة لأكثر من سبع سنوات يعدّ معجزةً بالنسبةِ لي …. وهذا سبب عشقي لها . لنقل أحد أسبابِ عشقي لها . 

لنحكي عن يومي الرمضانيّ .. كان يومًا هادئًا .. جميلًا . خرجتُ فيه مع مجموعةٍ من الصديقات .. لطالما تسائلتُ وأنـا بينهن : هل هذا مكاني … 

لم أجد الجواب بعد .. 

أودّ أن أخسر المزيد من وزني لكي يتلائم جسمي مع فستان العيد ، المضحك أنني لم أشتري فُستانًا للعيد بعد! .. سيدة “الزنقات” أنـا ، وكثيرًا ما ينهرونني على هذه الصفة . أنـا هكذا ولا أسعى للتغيير ولا أرى بأساً كبيرًا من هذه الصفة . 

وعلى ذكر الرشاقة ، أذكر أنني في أيام التدريب الميداني وبعدما أفضيتُ لزميلاتي عن رغبتي بخسارة المزيد من وزني ، قالت إحداهن : “ترا أنـا ما أحب الي ياي تبي تنحف وهي من أصلها نحيفة” 

كلمتها كانت -على بلاطة- ولكن شكرًا لهكذا صراحة … لأنه ، ولأول مرةٍ في حياتي يصرّح أحدهم لي أنني رشيقة . 

هناك الكثير من الرشيقات يودون خسارةَ المزيد من الوزن ، هذا صحيح ، وأنـا أشارك زميلتي عدم حب هذا الصنف من البنات لأن “الدايت” بالنسبة لهن “حاجة اوفر” . ولكنني أحببتُ أن تراني زميلتي بهذا المنظر .. أتخمتُ فرحًا ذلك اليوم رغم لهجتها الجافة ورغم أنني أدركُ أنني لستُ رشيقةً بما يكفي لتقول عني هذا الكلام .. 

أعترف أنني أضعفُ تمامًا أمام “لقيمات” أمي .. أغمسّها بـ “الشيرة” قبل ساعةٍ من الآذان ، لتتشرب السكّر السائل ، لتذوب في فمي بكل لذّة . طعمها أخـّاذٌ فاتنٌ مسّكر . 

السمبوسة لم تعد تفتنني كالسابق لأننا اعتدنا هذه السنة شويها بآلةٍ صحية . لم تعد متخمةً بالزيت كالسابق .. والحمد لله ، لأن الشوي يفقدها بعض لذتها . 

هذا هو أول رمضانٍ أقضيه في منزلنا الجديد ، لا نملكُ ذكرياتٍ رمضانية هنا ، صحيح ، ولكننا ها نحن نصنعها يومًا بعد يوم . 

لم أعد أقوى على فتح عيني … يجب أن أنـام رغم أن جعبتي تحمل الكثير . الوداع